الطَّريق الصحيح لسلامة الحاكم من الفساد ولأجل التنفيذ والتطبيق، وتنظيم الحياة الاجتماعيّة وفقها، قال تعالى (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
فالحاكم مهمته الرئيسة حفظ كيان الناس وتدبير أمورهم واصلاح شؤونهم ، فهو المكلف بإصلاح الملك والمسؤول عن فساده.
وعندما تتسع مساحة ملكه والاحتياجات والتكاليف المتوجهة اليه لابد من أن يكون له مساعدين وعمال في شتى الشؤون، لكي يفوض لكل شخص العمل المناط إليه ويكون المسؤول متابعا له ومشرفا على عمله.
روي عن الامام علي (ع) أنه قال: (لابد للأمة من إمام يقوم بأمرهم، فيأمرهم وينهاهم ويقيم فيهم الحدود ويجاهد فيهم العدو ويقسم الغنائم ويفرض الفرائض ويعرفهم أبواب ما فيه صلاحهم ويحذرهم ما فيه مضارهم إذا كان الأمر والنهي أحد أسباب بقاء الخلق وإلاّ سقطت الرّغبة والرّهبة، ولم يرتدع ويفسد التدبير وكان ذلك سببًاً لهلاك العباد...).
وفي حديث أخر يقول (عليه السلام): (يختاروا لأنفسهم امامًا عفيفًا عالمًا ورعًا عارفًا بالقضاء والسنة، يجمع أمرهم ويحكم بينهم، ويأخذ للمظلوم من الظالم حقه، ويحفظ أطرافهم ويجبي فيئهم ويقيم حجتهم ويجبي صدقاتهم).
فلا يكفي في إدارة الدولة أن تقوم بتعيين المكلفين بالمناصب الإدارية وإدارة امور الدولة الأخرى ويجلس الحاكم من دون مراقبة، فلا بد من أن يقوم بين فترة وأخرى، بمراقبتهم ، ولاسيما في المناطق البعيدة
وأهم شريحة في المجتمع يجب على الحاكم والمسؤولين تركيز الاهتمام الواسع والعناية بهم وتوفير كل الاحتياجات اللازمة لهم هم: ذوي الحاجات، إذ لابدّ للحاكم من التّواضع معهم، كونهم طبقة ضعيفة في المجتمع.
فعنه (عليه السَّلَام) في عهده لمالك: (وَاجْعلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً، فَتَتَواضَعُ فِيهِ لله الَّذِي خَلَقَكَ، وَتُقعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ، حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَعْتِع، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ(عليه السلام)يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِن: "لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَعْتِع". ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَالْعِيَّ، وَنَحِّ عَنْكَ الضِّيقَ وَالاأَنَفَ، يَبْسُطِ اللهُ عَلَيْكَ بَذلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ، وَيُوجِبُ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ، وَأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً، وَامْنَعْ فِي إِجْمَال وَإِعْذَار!
ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لاَ بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا: مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ، وَمِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ عِنْدَ وَرُودِهَا عَلَيْكَ مِمَّا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ).
فأي تقصير من الولاة يؤدي إلى زعزعة البلاد واذا نظرنا إلى حكومة الامام علي (ع) لرأينا بأنه اهتم بمراقبة العمال، إذ بعث العيون عليهم وأمر مالكًا بذلك،
نأخذ بعضًا من نماذج ما ذكره الامام علي (ع) الى الولاة والأمصار؛ منها ما جاء في كتابه إلى عثمان بن حنيف عامله على البصرة: (أَمَّا بَعْدُ، يَابْنَ حُنَيْف، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إلى مَأْدُبَة، فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا، تُسْتَطَابُ لَكَ الألْوَانُ، وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلى طَعَامِ قَوْم، عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ، وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ).
وكذلك في كتابه الي ابن عباس على ما قيل: (أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ، إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ، وَعَصَيْتَ إِمَامَكَ، وَأَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ.
بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ الأرْضَ فأَخَذْتَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْكَ، وَأَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ، فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ، وَالسَّلاَمُ).
وغيرها كثير مما أورده الامام علي (ع) لبيان المسؤولية وصيانة الأمانة التي توكل بها كل مسؤول.