كلام الامام علي (ع) عن جلال الخالق

2024.01.22 - 11:18
Facebook Share
طباعة

  "الْحَمْدُ لله خَالِقِ الْعِبَادِ، وَسَاطِح المهاد([1])، وَمُسِيلِ الْوِهَادِ([2])، وَمُخْصِبِ النِّجَادِ([3])، لَيْسَ لأوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ، وَلاَ لأزَلِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ، هُوَ الاَوَّلُ لَمْ يَزَلْ، وَالْبَاقي بِلا أَجَل، خَرَّتْ لَهُ الْجِبَاهُ، وَوَحَّدَتْهُ الشِّفَاهُ، حَدَّ الأشْيَاءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا إبَانَةً لَهُ مِنْ شَبَهِهَا([4])، لاَ تُقَدِّرُهُ الأوْهامُ بِالْحُدُودِ وَالحَرَكَاتِ([5])، وَلاَ بِالْجَوَارِحِ وَالاْدَوَاتِ([6])، لاَ يُقَالُ لَهُ: «مَتَى»([7])؟ وَلاَ يُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ «بِحَتَّى»([8])، الظَّاهِرُ لاَ يُقالُ: «مِمَّ»([9])؟ وَالْبَاطِنُ لاَ يُقَالُ: «فِيمَ»([10])؟، لاَ شَبَحٌ فَيُتَقَصَّى([11])، وَلاَ مَحْجُوبٌ فَيُحْوَى([12])، لَمْ يَقْرُبْ مِنَ الأشْيَاءِ بِالْتِصَاق، وَلَمْ يَبْعُدْ عَنْهَا بِافْتِرَاق، وَلاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَة([13])، وَلاَ كُرُورُ لَفْظَة([14])، وَلاَ ازْدِلاَفُ رَبْوَة([15])، وَلاَ انْبِسَاطُ خُطْوَة فِي لَيْل دَاج([16])، وَلاَ غَسَق سَاج([17])، يَتَفَيَّأُ عَلَيْهِ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ، وَتَعْقُبُهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ فِي الْكُرُورِ وَالأفُولِ([18])، وَتَقْلِيبِ الأزْمِنَةِ وَالدُّهُورِ، مِنْ إِقْبَالِ لَيْل مُقْبِل، وَإِدْبَارِ نَهَار مُدْبِر، قَبْلَ كُلِّ غَايَة وَمُدَّة، وَكُلِّ إِحْصَاء وَعِدَة، تَعَالَى عَمَّا يَنْحَلُهُ الْمحَدِّدُونَ([19]) مِنْ صِفَاتِ الأقْدَارِ، وَنِهَايَاتِ الأقْطَارِ، وَتَأَثُّلِ([20]) الْمَسَاكِنِ، وَتَمَكُّنِ الأمَاكِنِ; فَالْحَدُّ لِخَلْقِهِ مَضْرُوبٌ([21])، وَإِلَى غَيْرهِ مَنْسُوبٌ. لَمْ يَخْلُقِ الاْشْيَاءَ مِنْ أُصُول أَزَلِيَّة([22])، وَلاَ مِنْ أَوَائِلَ أَبَدِيَّة([23])، بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَقَامَ حَدَّهُ، وَصَوَّرَ مَا صَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ، لَيْسَ لِشَيْء مِنْهُ امْتِنَاعٌ، وَلاَ لَهُ بِطَاعَةِ شَيْء انْتِفَاعٌ، عِلْمُهُ بِالأمْوَاتِ الْمَاضِينَ كَعِلْمِهِ بِالأحْيَاءِ الْبَاقِينَ، وَعِلْمُهُ بِمَا فِي السماوَاتِ الْعُلَى كَعِلْمِهِ منها بِمَا فِي الاْرَضِينَ السُّفْلَى. أَيُّهَا الْـمَخْلُوقُ السَّوِيُّ([24])، وَالْمُنْشَأُ الْمَرْعِيُّ([25])، فِي ظُلُمَاتِ الأرْحَامِ، وَمُضَاعَفَاتِ الأسْتَارِ([26])، بُدِئْتَ (مِنْ سُلاَلَة مِنْ طِين)، وَوُضِعْتَ (فِي قَرَار مَكِين إِلَى قَدَر مَعْلُوم([27])) وَأَجَل مَقْسُوم([28])، تَمُورُ([29]) فِي بَطْنِ أُمِّكَ جَنِيناً لاَ تُحِيرُ([30]) دُعَاءً، وَلاَ تَسْمَعُ نِدَاءً، ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّكَ إِلَى دَار لَمْ تَشْهَدْهَا، وَلَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا; فَمَنْ هَدَاكَ لاِجْتِرَارِ([31]) الْغِذَاءِ مِنْ ثَدْيِ أُمِّكَ؟ وَعَرَّفَكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلَبِكَ وَإِرَادَتِكَ؟! هَيْهَاتَ، إِنَّ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ صِفَاتِ ذِي الْهَيْئَةِ وَالأدَوَاتِ فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أَعْجَزُ([32])، وَمِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ الْمخْلُوقِينَ أَبْعَدُ"([33]).



[1] مسطّح وممهد الأرض.
[2] مسيل المياه بين الأراضي الممتدّة.
[3] مخضّر التلال.
[4] تنزيهاً له عن مشابهتها.
[5] لا يمكن للتخيلات أن تحدّه بحدود، ولا تقديرات.
[6] ولا يمكن أيضاً أن يُحسب مقداره بالحواس ولا الأدوات.
[7] لا يجيب عنه سؤال متى كان؟ لأنه فوق الزّمن.
[8] ولا يمكن أن يحدد له تاريخ انتهاء بحتّى كذا.
[9] ظاهرٌ من غير أن يكون مكوناً من مواد، فلا نستطيع السؤال مم هو؟
[10] وهو الباطن الموجود في كلّ شيء، لكن من غير أن نستطيع أن نعرف في أي شيء هو؟
[11] لا نستطيع أن نتقصّى له شكلاً.
[12] وليس له حجاب يحتويه.
[13] طرفة عين.
[14] الترددات الصوتيّة للفظة حرف.
[15] لا يخفى عليه شيء في تلّ عالٍ.
[16] لا يخفى عليه بسط خطوة في ليل حالك.
[17] أوّل الليل الساكن.
[18] في الشروق والغروب.
[19] يعطونه من صفات تحدّ مطلقه.
[20] الأماكن العامرة.
[21] الحدود لمخلوفاته.
[22] لم يكن هناك مواد استعان بها على الخلق.
[23] ولم يُقم سلطانه على بقايا خلق قديم.
[24] الإنسان الذي خلقه الله فسوّاه.
[25] أنشأه ورعاه.
[26] الأستار المتعددة في البطن.
[27] تقدير الخلقة.
[28] مدّة الحمل.
[29] تتحرّك.
[30] لا تستطيع الكلام.
[31] مص الحليب.
[32] المعنى: أن من يعجز عن وصف صفات المخلوقين بدقّة، هو أعجز عن وصف الخالق.
[33] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٩ – الصفحة.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى