"عِبَادَ اللهِ، إِنَّكُمْ ـ وَمَا تَأْمُلُونَ مِنْ هذِهِ الدُّنْيَا ـ أَثْوِيَاءُ([1]) مُؤَجَّلُونَ، وَمَدِينُونَ مُقرضَوْنَ([2]): أَجَلٌ مَنْقُوصٌ([3])، وَعَمَلٌ مَحْفُوظٌ([4])، فَرُبَّ دَائِب مُضَيَّعٌ([5])، وَرُبّ كَادِح خَاسِرٌ([6]). قَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي زَمَن لاَ يَزْدَادُ الْخَيْرُ فِيهِ إِلاَّ إِدْبَاراً([7])، وَالشَّرُّ إِلاَّ إِقْبَالاً([8])، وَالشَّيْطَانُ فِي هَلاَكِ النَّاسِ إِلاَّ طَمَعاً، فَهذا أَوَانٌ قَوِيَتْ عُدَّتُهُ([9])، وَعَمَّتْ مَكِيدَتُهُ([10])، وَأَمْكَنَتْ فَرِيسَتُهُ([11]). اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ، فَهَلْ تُبْصِرُ إِلاَّ فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً([12])، أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً([13])، أَوْ بَخِيلاً اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللهِ وَفْراً([14])، أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْموَاعِظِ وَقْراً([15])! أَيْنَ خِيارُكُمْ وَصُلَحَاؤُكُمْ؟! وَأَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وَسُمَحَاؤُكُمْ؟! وَأَيْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ([16]) في مَكَاسِبِهِمْ([17])، والْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهمْ([18])؟! أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا([19]) جَمِيعاً عَنْ هذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ([20])، وَالْعَاجِلَةِ المُنَغِّصَةِ([21])، وَهَلْ خُلِّفْتُمْ إِلاَّ فِي حُثَالَة([22]) لاَ تَلْتَقِي بِذَمِّهِمْ الشَّفَتَانِ([23])، اسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ([24])، وَذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ؟! فَـ (إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، (ظَهَرَ الْفَسَادُ) فَلاَ مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ([25])، وَلاَ زَاجرٌ مُزْدَجِرٌ([26]). أَفَبِهذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ([27])، وَتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ؟ هَيْهَاتَ! لاَ يُخْدَعُ اللهُ عَنْ جَنَّتِهِ، وَلاَ تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ. لَعَنَ اللهُ الاْمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ، وَالنَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ الْعَامِلِينَ بِهِ"([28]).