الامام علي (عليه السلام) يصف تحوّل النّاس وقلّة نزاهتهم

2024.01.22 - 11:17
Facebook Share
طباعة

  "عِبَادَ اللهِ، إِنَّكُمْ ـ وَمَا تَأْمُلُونَ مِنْ هذِهِ الدُّنْيَا ـ أَثْوِيَاءُ([1]) مُؤَجَّلُونَ، وَمَدِينُونَ مُقرضَوْنَ([2]): أَجَلٌ مَنْقُوصٌ([3])، وَعَمَلٌ مَحْفُوظٌ([4])، فَرُبَّ دَائِب مُضَيَّعٌ([5])، وَرُبّ كَادِح خَاسِرٌ([6]). قَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي زَمَن لاَ يَزْدَادُ الْخَيْرُ فِيهِ إِلاَّ إِدْبَاراً([7])، وَالشَّرُّ إِلاَّ إِقْبَالاً([8])، وَالشَّيْطَانُ فِي هَلاَكِ النَّاسِ إِلاَّ طَمَعاً، فَهذا أَوَانٌ قَوِيَتْ عُدَّتُهُ([9])، وَعَمَّتْ مَكِيدَتُهُ([10])، وَأَمْكَنَتْ فَرِيسَتُهُ([11]). اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ، فَهَلْ تُبْصِرُ إِلاَّ فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً([12])، أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً([13])، أَوْ بَخِيلاً اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللهِ وَفْراً([14])، أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْموَاعِظِ وَقْراً([15])! أَيْنَ خِيارُكُمْ وَصُلَحَاؤُكُمْ؟! وَأَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وَسُمَحَاؤُكُمْ؟! وَأَيْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ([16]) في مَكَاسِبِهِمْ([17])، والْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهمْ([18])؟! أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا([19]) جَمِيعاً عَنْ هذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ([20])، وَالْعَاجِلَةِ المُنَغِّصَةِ([21])، وَهَلْ خُلِّفْتُمْ إِلاَّ فِي حُثَالَة([22]) لاَ تَلْتَقِي بِذَمِّهِمْ الشَّفَتَانِ([23])، اسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ([24])، وَذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ؟! فَـ (إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، (ظَهَرَ الْفَسَادُ) فَلاَ مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ([25])، وَلاَ زَاجرٌ مُزْدَجِرٌ([26]). أَفَبِهذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ([27])، وَتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ؟ هَيْهَاتَ! لاَ يُخْدَعُ اللهُ عَنْ جَنَّتِهِ، وَلاَ تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ. لَعَنَ اللهُ الاْمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ، وَالنَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ الْعَامِلِينَ بِهِ"([28]).



[1] ضيوف لهم أجل للمغادرة.
[2] حياتنا مجرد قرض واجب الرد.
[3] العمر يتناقص في كلّ صباح.
[4] قد كُتب وحُفظ.
[5] دائب على عملٍ، مضيّع ما دأب عليه بأن يموت ويسبقه أجله قبل أن يحظى بنتائج ما سعى له.
[6] كادح لجمع ثروة، خاسر ما جمعه بأن يموت ولا يستفيد مما جمعه.
[7] ابتعاداً.
[8] اقتراباً.
[9] أصبحت عدّة الشيطان أقوى.
[10] وعمّ كيده وانتشر.
[11] تمكّن من فرائسه.
[12] يعاني من فقره.
[13] استعان بما أنعم الله عليه في سبيل نشر الفساد.
[14] يبخل بحقّ الله ويوفّره.
[15] سدادة، أي أنه أصم لا يسمع قول الحق.
[16] المتقّون.
[17] تجارتهم.
[18] النّزيهون في تعاملاتهم.
[19] رحلوا وماتوا.
[20] الدّنيئة.
[21] العاجلة التي عيشها منغّص.
[22] الأشياء التافهة الفاسدة التي لا قيمة لها.
[23] أي إذا بدأ المرء بذمّهم لا ينتهي أبداً.
[24] لصغر قدرهم.
[25] لا أحد يغيّر المنكر. وفي ذلك إشارة إلى حديث رسول الله (ص): "من رأى منكم منكراً فليغيّره".
[26] ولا أحد يخاف من العقوبة.
[27] أتريدون أن تدخلوا الجنّة بهذه الأعمال؟
[28] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى