كلام الامام علي (ع) في العدل

2024.01.10 - 12:39
Facebook Share
طباعة

  يقول الامام علي (ع):

"إنّ العدلَ ميزانُ الله سبحانه الذي وَضَعَه للخَلْق، ونَصَبَه لإقامةِ الحقّ، فلا تُخالِفْه في ميزانِه، ولا تُعارضْه في سلطانِه"([1]).
فيصرّح هو صلوات الله عليه أنّ الظلم يعني مخالفةَ الله في ميزانه، ومعارضتَه في سلطانه، وأمير المؤمنين أخشى لله من أن يخطر له ظلم ولو مَلَك به الدنيا أضعافاً، وهو القائل سلامُ الله عليه مِن قائل:
"واللهِ لو أُعطِيتُ الأقاليمَ السبعةَ بِما تحتَ أفلاكها، على أن أَعصيَ اللهَ في نملةٍ أسلُبُها جُلْبَ شَعيرةٍ ما فعلتُه. وإنّ دُنياكم عندي لأهونُ مِن ورقةٍ في فمِ جَرادةٍ تَقضَمُها. ما لِعليٍّ ولنعيمٍ يَفنى، ولذّةٍ لا تبقى؟! نعوذُ باللهِ مِن سُبات العقل، وقُبحِ الزَّلَل، وبه نستعين"([2]).
وفي الوقت الذي تحتاج العدالة فيه إلى الزهد، تحتاج كذلك إلى الشجاعة في تحكيم الحقّ، ومواجهة الباطل وأهله، ولكن قد تفرض الشجاعة على صاحبها روح الاستعلاء على الآخرين، وظُلمَ حقوقهم والانتقام منهم، بهوى نفس، أو عصبيّةٍ منه، أو قد تدفع الشجاعة إلى تحقيق المنافع الذاتيّة بالغصب، وابتزاز المستضعفين المقهورين، وصدق رسول الله صلّى الله عليه وآله إذ قال، فيما رواه عنه أمير المؤمنين (عليه السلام):
"آفةُ الشجاعة البغي"([3]).
لكنّ شجاعة أمير المؤمنين عليه السلام ممزوجةٌ بالإيمان والغَيرة والبصيرة والحكمة، والائتمار بما أمر الله والانتهاء عمّا نهى، وبالتقوى والورع والخشية من الله تعالى والخشوع الدائم في حضرته المقدّسة، فلم تكن شجاعته يوماً، إلاّ في طاعة الله تعالى ونصرة دينه، وتأييد رسوله، وتحصين شرائعه، وردع أعدائه، نزيهةً عمّا يُبتلى به الآخرون من الأهواء والأمزجة والعصبيات المقيتة. إذ وضع الإمام عليٌّ (عليه السلام) شجاعته في رفع راية الإسلام، وإعلاء كلمة الله جلّ وعلا، ودحض كلمة الكفر والشرك والضلال، ثمّ جعلها سلام الله عليه في إعانة الضعفاء الأبرياء المظلومين حتّى يأخذ لهم الحقّ في مواجهة الظالمين.
إن المناصب تافهة في عين مولانا أمير المؤمنين، وهو لم يكن ليقبلها، لولا أن يقيم بها الحق، ويصلح اعوجاج ميزان العدل الذي أجراه من أجراه قبله، من تبديل لسنّة لله ورسوله، وحيف أصاب أهل الإسلام، بغضّ النّظر عنّ نيّة القائمين على الأمور، فربّما تكون نيّتهم سليمة، لكنّهم تعرّضوا لما ليس هم له بأهل، ففرّطوا، واغتصبوا حقّ غيرهم، والنتيجة كانت كما نراها الآن ماثلة، وصول يزيد بن معاوية إلى كرسيّ رسول الله، وتبعه آلاف الطّغاة حتّى يومنا هذا:
قال ابن عبّاس: دخلتُ على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو يَخصِف نَعلَه، فقال لي: "ما قيمةُ هذه النَّعْل؟"، فقلت: لا قيمةَ لها، فقال عليه السلام: "واللهِ لَهِيَ أَحَبُّ إليَّ مِن إمرتِكُم، إلاّ أن أُقيمَ حقّاً أو أدفعَ باطلاً"([4]).


[1] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ١٨٣٨.
[2] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٢ - الصفحة ٢١٨.
[3] كتاب الخصال، للشيخ الصدوق، ج2، ص416.
[4] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٨٠.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى