مقومات نجاح اصحاب المناصب في كلام الامام علي (ع)

2023.12.13 - 11:17
Facebook Share
طباعة

   

لأنّ المنصب عند أمير المؤمنين عليه السلام أمانة، يُختبر بأدائها المنصِّب والمنصَّب، وهما مسؤولان عنها؛ قال عليه السلام لبعض كبار موظفيه:
"أشْرَكْتُكَ فِي أمَانَتِي"([1]).
وقال عليه السلام، محذراً أحد عمّاله من مغبّة خيانة الأمانة، ولأن أمير المؤمنين لا يأخذ بالشبهة بل بالبيّنة، فإنّه يخبر عامله بأنه في حال ثبوت هذا الأمر عليه فإن سيكون قد ارتكب المخالفات التالية، وأن عقاب الله سيكون بعد أشد من عقاب الناس:
"بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ وَعَصَيْتَ إِمَامَكَ وَأَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ… وَاعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ وَالسَّلام"([2]).
وقال عليه السلام أيضاً لبعض عمّاله، أنّ عملك هو خدمة للناس، وهو تكليف وأمانة، وليس تشريفاً ومكتسبات، وأنّ من فوقك يراقبك، أي هو والله من فوقه:
"وَإِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ وَلَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ وَأَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَك‏"([3]).
لم يكتف عليه السلام بتشخيص الخلل، والتذكير بمسؤولية أمانة المنصب، بل عالجه وعرّف طرق التصحيح وتلافي التقصير، حاثاً على تعميم ثقافة أمانة المنصب بين الموظفين، فقال عليه السلام:
"أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَحْذَرْ مَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ،‏ لَمْ يُقَدِّمْ لِنَفْسِهِ مَا يُحْرِزُهَا؛ وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا كُلِّفْتُمْ بِهِ يَسِيرٌ، وَأَنَّ ثَوَابَهُ كَثِيرٌ…، فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَاصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ، وَوُكَلاَءُ الأُمَّةِ، وَسُفَرَاءُ الأَئِمَّةِ، وَلاَ تُحْشِمُوا أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ، وَلاَ تَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ، وَلاَ تَدَّخِرُوا أَنْفُسَكُمْ نَصِيحَةً، وَلاَ الْجُنْدَ حُسْنَ سِيرَةٍ، وَلاَ الرَّعِيَّةَ مَعُونَةً، وَلاَ دِينَ اللهِ قُوَّةً"([4]).
موجهاً بهذا إلى ضرورة تقديم الخدمات، وتلبية الطلبات المشروعة، وعدم قمع أحدٍ من المطالبين بتحسين وضعه، ومؤكداً على ضرورة تقييم الأداء الحكومي دائماً، بما ينعكس إيجاباً على الاهتمام بالشعب وحماته من أصناف الجيش والقوى الأمنية الأخرى. وقال عليه السلام:
"وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ‏ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَاللُّطْفَ بِالإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْق…، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَوَالِي الأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ بِمَا عَرَّفَكَ مِنْ كِتَابِهِ وَبَصَّرَكَ مِنْ سُنَنِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله عَلَيْكَ بِمَا كَتَبْنَا لَكَ فِي عَهِدْنَا هَذَا لاَ تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللهِ فَإِنَّهُ لاَ يَدَ لَكَ بِنَقِمَتِهِ وَلاَ غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِه"([5]).
مبيّناً ضرورة الاهتمام بكافة المواطنين ولو كانوا من الأقليات، ولزوم العدل بينهم، وأنْ يتم التعامل على أنّ الجميع شركاء في البلد والمصير، فلابد من محبة الجميع ومودّتهم. وقال عليه السلام:
"وَلاَ تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْوٍ وَلاَ تَبْجَحَنَ‏ بِعُقُوبَةٍ وَلاَ تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ عَنْهَا مَنْدُوحَةً وَلاَ تَقُولَنَّ إِنِّي مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ وَمَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ وَتَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَر، وأَنْصِفِ اللهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللهِ كَانَ اللهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَمَنْ خَاصَمَهُ اللهُ أَدْحَضَ حُجَّتَه"([6]).
مشدداً بهذا على حرمة انتهاك الحقوق، واستعمال القسوة والصرامة، وناهياً عن استخدام المنصب أداةً للعقوبة والشدة؛ لما يسببه ذلك من إفساد الحاكم لنفسه، ومخاطرة بالنفس وتعريضها للمحاسبة الإلهية. وقال عليه السلام:
"وَلْيَكُنْ أَحَبَ الأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِ وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّة، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي البَلاَءِ وَأَكْرَهَ لِلإِنْصَافِ وَأَسْأَلَ بِالإِلْحَافِ وَأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الإِعْطَاءِ وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّة"([7]).
محذّراً بهذا من الإصغاء إلى الدائرة الخاصة والخط الأول المحيط بذي المنصب؛ لما يسببه ذلك من هياج غيرهم من المعارضة، واشتداد التمرد العام.
وقد بيّن عليه السلام بذلك صفات الموظف، ووصاياه له، داعماً فيه روح الإنسانية؛ لئلا تغلبها صفة المنصب القانونية.


[1] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٣ - الصفحة ٦٥.
[2] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٦ - الصفحة ١٦٤.
[3] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٤ - الصفحة ٣٣.
[4] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٣ - الصفحة ٨٠.
[5] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٧ - الصفحة ٣٠.
[6] المصدر السابق ص 32.
[7] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٣ - الصفحة ٨٦.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى