الامام علي (ع) في صفة السماء

2023.11.02 - 10:14
Facebook Share
طباعة

  يصف أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه الخطبة العظيمة، مراحل خلق السماء والأفلاك بدقّة متناهيّة قد تعجز عنها وكلات الفضاء العالميّة، سبحان الله، فأمير المؤمنين الذي لم ينتسب يوماً لوكالة فضاء، أو مركز بحث عالمي، يصف قبل أربعة عشر قرناً مراحل خلق السماء بهذه الدّقة التي ذكر فيها حتّى النسيج الفضائي الذي يملئ فراغات الفضاء قبل آينشتاين بألف وأربعمائة عام، حين أكّد أن الفراغ الذي بين الكواكب هو مادّة تشبه النسيج الكوني يمسك هذا الفضاء من أن يتفرّق ويبتعد عن بعضه. فنراه عليه السلام عن هذا النسيج الفضائي الضّام أنّه (خِرق!)، أي قطعاً من نسيج، حيث قال: "وَأَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تَمُورَ فِي خَرْقِ الْهَوَاءِ بِأَيْدِهِ". فاستعماله لذات المرادفات العلميّة لم يأت عن فراغ، وإنّما هو علم الله الذي استقرّ في قلب الأمير. لذا ننصح أهل العلم، أن يحللوا هذه الخطبة المجيدة، ويحققوا بها نتائجهم العلميّة في هذا الصّعيد، وكلّنا ثقة أنّهم سيصلون إلى نتائج مبهرة.

مؤسسة الإمام علي بن أبي طالب للدراسات والتوثيق
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته: "قَدَّرَ مَا خَلَقَ فَأَحْكَمَ تَقْدِيرَهُ، وَدَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ تَدْبِيرَهُ، وَوَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ، وَلَمْ يَقْصُرْ دُونَ الاْنْتِهَاءِ إِلى غَايَتِهِ، وَلَمْ يَسْتَصْعِبْ([1]) إذْ أُمِرَ بِالْمُضِيِّ عَلَى إِرَادَتِهِ، وَكَيْفَ وَإِنَّمَا صَدَرَتِ الاْمُورُ عَنْ مَشيئَتِهِ؟ الْمُنْشِئُ أصْنَافَ الاْشْيَاءِ بِلاَ رَوِيَّةِ فِكْر([2]) آلَ إِلَيْهَا، وَلاَ قَريحَةِ غَرِيزَة([3]) وَنَظَمَ بِلاَ تَعْلِيق رَهَوَاتِ فُرَجِهَا([4])، وَلاَحَمَ صُدُوعَ انْفِرَاجِهَا([5])، وَوَشَّجَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَزْوَاجِهَا([6])، وَذَلَّلَ لِلْهَابِطِينَ([7]) بِأَمْرِهِ، وَالْصَّاعِدِينَ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ، حُزُونَةَ([8]) مِعْرَاجِهَا، وَنَادَاهَا بَعْدَ إِذْ هِيَ دُخَانٌ مُبِينٌ، فَالْتَحَمَتْ عُرَى أَشْرَاجِهَا([9])، وَفَتَقَ بَعْدَ الارْتِتَاقِ صَوَامِتَ([10]) أَبْوَابِهَا، وَأَقَامَ رَصَداً([11]) مِنَ الشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ([12]) عَلَى نِقَابِهَا([13])، وَأَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تَمُورَ([14]) فِي خَرْقِ الْهَوَاءِ بِأَيْدِهِ([15])، وَأَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً لأمْرِهِ، وَجَعَلَ شَمْسَهَا آيَةً مُبْصِرَةً([16]) لِنَهَارِهَا، وَقَمَرَهَا آيَةً مَمْحُوَّةً([17]) مِنْ لَيْلِهَا، وَأَجْرَاهُمَا فِي مَنَاقِلِ مَجْرَاهُمَا([18])، وَقَدَّرَ مَسِيَرهُما فِي مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا، لُيمَيِّزَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِهِمَا، وَلِيُعْلَمَ عَدَدُ السِّنِينَ والْحِسَابُ بِمَقَادِيرِهِمَا، ثُمَّ عَلَّقَ فِي جَوِّهَا فَلَكَهَا([19])، وَنَاطَ بِهَا([20]زِينَتَهَا، مِنْ خَفِيَّاتِ دَرَارِيِّهَا([21])، وَمَصَابِيحِ كَوَاكِبِهَا، وَرَمَى مُسْتَرِقِي السَّمْعِ بِثَوَاقِبِ شُهُبِهَا، وَأَجْرَاها عَلَى أَذْلاَلِ([22]) تَسْخِيرِهَا مِنْ ثَبَاتِ ثَابِتِهَا، وَمَسِيرِ سَائِرِهَا، وهُبُوطِهَا وَصُعُودِهَا، وَنُحُوسِهَا وَسُعُودِهَا([23])".


[1] لم يخرج شيء عن سياق الالتزام والتنفيذ.
[2] استمهال للتفكير أو التخطيط.
[3] تدفّق خواطر وأفكار.
[4] الفتحات الهائلة.
[5] أحسن ضمّ أجزاءها وإغلاق فروجها.
[6] ربط بين قرناءها.
[7] جعل فيما بينها وبين الأرض مصاعد عظيمة يسهل ركوبها هبوطاً أو صعوداً للملائكة الكرام.
[8] صعوبة.
[9] فتحاتها.
[10] وأعاد فتح أبوابها العظيمة التي أُغلقت.
[11] حرساً.
[12] المتوهّجة.
[13] فتحاتها.
[14]تتحرك وتضطرب.
[15] بقوّته.
[16] مضيئة.
[17] مخفيّة.
[18] مسار محدد بمحطات.
[19] كواكبها.
[20] شبك.
[21] الأنوار الخفيّة.
[22] التزامها بالخطّة الموضوعة لها.
[23] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٦٥.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى