الامام علي (ع) في بيان صفات المتقين

2023.10.26 - 11:43
Facebook Share
طباعة

  قال الامام علي (عليه السلام):

"إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللهِ إِلَيْهِ، عَبْداً أَعَانَهُ اللهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ، وَتَجَلْبَبَ الْخَوْفَ([1])، فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى([2]) فِي قَلْبِهِ، وَأَعَدَّ الْقِرَى([3]) لِيَوْمِهِ النَّازِلِ بِهِ، فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِهِ الْبَعِيدَ، وَهَوَّنَ الشَّدِيدَ، نَظَرَ فَأَبْصَرَ، وَذَكَرَ فَاسْتَكْثَرَ، وَارْتَوَى مِنْ عَذْب فُرَات سُهِّلَتْ لَهُ مَوَارِدُهُ، فَشَرِبَ نَهَلاً([4])، وَسَلَكَ سَبِيلاً جَدَداً([5])قَدْ خَلَعَ سَرَابِيلَ([6]) الشَّهَوَاتِ، وَتَخَلَّى مِنَ الْهُمُومِ، إِلاَّ هَمّاً وَاحِداً انْفَرَدَ بِهِ، فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ الْعَمَى، وَمُشَارَكَةِ أَهْلِ الْهَوَى، وَصَارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ الْهُدَى، وَمَغَالِيقِ أَبْوَابِ الرَّدَى. قَدْ أبْصَرَ طَرِيقَهُ، وَسَلَكَ سَبِيلَهُ، وَعَرَفَ مَنَارَهُ، وَقَطَعَ غِمَارَهُ([7])، وَاسْتَمْسَكَ مِنَ الْعُرَى بِأَوْثَقِهَا، وَمِنَ الْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا، فَهُوَ مِنَ الْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ، قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ للهِ ـ سُبْحَانَهُ ـ فِي أَرْفَعِ الاْمُورِ، مِنْ إِصْدَارِ كُلِّ وَارِد عَلَيْهِ([8])، وَتَصْيِيرِ كُلِّ فَرْع إِلى أَصْلِهِ. مِصْبَاحُ ظُلُمَات، كَشَّافُ غَشَوَات([9])، مِفْتَاحُ مُبْهَمَات([10])، دَفَّاعُ مُعْضِلاَت([11])، دَلِيلُ فَلَوَات([12])، يَقُولُ فَيُفْهِمُ، وَيَسْكُتُ فَيَسْلَمُ. قَدْ أَخْلَصَ للهِ فَاسْتَخْلَصَهُ، فَهُوَ مِنْ مَعَادِنِ دِينِهِ، وَأَوْتَادِ أَرْضِهِ.قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْعَدْلَ، فَكَانَ أَوَّلَ عَدْلِهِ نَفْيُ الْهَوَى عَنْ نَفْسِهِ([13])، يَصِفُ الْحَقَّ وَيَعْمَلُ بِهِ، لاَ يَدَعُ لِلْخَيْرِ غَايَةً إِلاَّ أَمَّهَا([14])، وَلاَ مَظِنَّةً([15]) إِلاَّ قَصَدَهَا، قَدْ أَمْكَنَ الْكِتَابَ مِنْ زِمَامِهِ([16])، فَهُوَ قَائِدُهُ وَإِمَامُهُ، يَحُلُّ حَيْثُ حَلَّ ثَقَلُهُ([17])، وَيَنْزِلُ حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُهُ([18])".


[1] جعل خوف الله لباساً له.
[2] أضاء مصباح الهدى في قلبه.
[3] تزوّد ليوم المعاد.
[4] ماءً عذبا.
[5] طريقاً واضحاً محدداً.
[6] لباس.
[7] أبحر ووصل إلى بر الأمان.
[8] إحالة كل أموره الحاصلة إلى الله.
[9] يوضّح الصورة.
[10] يحل الأمور المستشكلة.
[11] يرد الصعاب.
[12] لا يضل الطريق في صحارى الضياع.
[13] لا يتبع هواه.
[14] قصدها.
[15] احتمال.
[16] جعل كتاب الله إمامه.
[17] محتواه العظيم، كما قال رسول الله (ص): "إن تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي".
[18] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٥١.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى