الخطبة "الغراء" للإمام عليّ (عليه السلام) عن أحوال الانسان وغفلته عن الموت

2023.10.26 - 11:42
Facebook Share
طباعة

  قال الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام):

أَمْ هذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الأرْحَامِ، وَشُغُفِ الأسْتَارِ([1])، نُطْفَةً دِفاقاً([2])، وَعَلَقَةً مِحَاقاً([3])، وَجَنِيناً وَرَاضِعاً، وَوَلِيداً وَيَافِعاً، ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً، وَلِساناً لاَفِظاً، وَبَصَراً لاَحِظاً، لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً، وَيُقَصِّرَ مُزْدَجِراً([4]); حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ، وَاسْتَوَى مِثالُهُ([5])، نَفَرَ مُسْتَكْبِراً، وَخَبَطَ سَادِراً([6])، مَاتِحاً([7]) فِي غَرْبِ([8]) هَوَاهُ، كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ([9])، فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ، وَبَدَوَاتِ أَرَبِهِ([10]); لاَ يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً([11])، وَلاَ يَخْشَعُ تَقِيَّةً([12]); فَمَاتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيراً([13])، وَعَاشَ فِي هَفْوَتِهِ أسيراً، لَمْ يُفِدْعِوَضاً([14])، وَلَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً([15]). دَهِمَتْهُ([16]) فَجَعَاتُ الْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ جِمَاحِهِ([17])، وَسَنَنِ([18]) مِرَاحِهِ، فَظَلَّ سَادِراً([19])، وَبَاتَ سَاهِراً فِي غَمَرَاتِ الاْلاَمِ، وَطَوَارِقِ الأوْجَاعِ والأسْقَامِ، بَيْنَ أَخ شَقِيق، وَوَالِد شَفِيق، وَدَاعِيَة بِالْوَيْلِ جَزَعاً([20])، وَلاَدِمَة([21]) لِلصَّدْرِ قَلَقاً.وَالْمَرءُ فِي سَكْرَة مُلْهِية، وَغَمْرَة كَارِثَة([22])، وَأَنَّة([23]) مُوجِعَة، وَجَذْبَة مُكْرِبَة([24]) وَسَوْقَة([25]) مُتْعِبَة. ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً([26])، وَجُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً([27])، ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الأعَوادِ رَجِيعَ وَصِب([28])، وَنِضْوَ([29]) سَقَم، تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ([30])الْوِلْدَانِ، وَحَشَدَةُ([31]) الإخْوَانِ، إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ، وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ([32]); حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ، وَرَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً([33]) لِبَهْتَةِ السُّؤَالِ([34])، وَعَثْرَةِ([35]) الامْتِحَانِ.وَأَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُلُ الْحَمِيم([36])، وَتَصْلِيَةُ الْجَحِيمِ، وَفَوْرَاتُ السَّعِيرِ، وَسَوْراتُ([37]) السَّعِيرِ، لاَ فَتْرَةٌ([38]) مُرِيحَةٌ، وَلاَ دَعَةٌ مُزِيحَةٌ([39])، وَلاَ قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ، وَلاَ مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ([40])، وَلاَ سِنَةٌ([41]) مُسَلِّيَةٌ، بَيْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ([42])، وَعَذَابِ السَّاعَاتِ! إنّا للهِ وَإنّا إليهِ راجعُونَ! إِنَّا بِاللهِ عَائِذُونَ!عِبَادَ اللهِ، [أَيْنَ] الَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا([43])، وَعُلِّمُوا فَفَهِمُوا([44])، وَأُنْظِرُوا فَلَهَوْا([45])، وَسُلِّمُوا فَنَسُوا([46])؟ أُمْهِلُوا طَوِيلاً، وَمُنِحُوا جَميِلاً، وَحُذِّرُوا ألِيماً، وَوُعِدُوا جَسِيماً! احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ([47])، وَالْعُيُوبَ الْمُسْخِطَةَ([48]).أُولِي الأبْصَارِ والأسْمَاعِ، وَالْعَافِيَةِ وَالمَتَاعِ، هَلْ مِنْ مَنَاص([49]) أَوْ خَلاَص، أَوْ مَعَاذ أَوْ مَلاَذ، أَوْ فِرَار أَوْ مجاز أوْ مَحَار([50])! أَمْ لاَ؟ (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) ([51])! أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ! أَمْ بِمَاذَا تَغْتَرُّونَ؟ وَإِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ الأرْضِ، ذَاتِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ، قِيدُ قَدِّهِ([52])، مُتَعَفِّراً([53]) عَلى خَدِّهِ! الاْنَ عِبَادَ اللهِ وَالْخِنَاقُ([54]مُهْمَلٌ([55])، وَالرُّوحُ مُرْسَلٌ، فِي فَيْنَةِ([56]) الاِرْشَادِ، وَرَاحَةِ الأجْسَادِ، وَبَاحَةِ الاحْتِشَادِ([57])، وَمَهَلِ الْبَقِيَّةِ([58])، وَأُنُفِ الْمَشِيَّةِ([59])، وَإِنْظَارِ التَّوْبَةِ([60])، وَانْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ([61]) قَبْلَ الضَّنْكِ وَالْمَضِيقِ([62])، وَالرَّوْعِ([63]) وَالزُّهُوقِ([64])، وَقَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ المُنتَظَرِ([65])، وَإِخْذَةِ الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ([66])


[1] الأغشية التي تضمّ الجنين.
[2] دفق الحيوان المنوية من الذكر.
[3] علقة على شكل هلال.
[4] مُعتبِراً متورّعاً.
[5] اشتدّ عوده وأصبح مثل الرّجال.
[6] غير عابئ.
[7] غارقاً.
[8] دلو.
[9] جاعلاً كل جهده من أجل الدنيا.
[10] لا يحكّم عقله، وإنما يقرر بسرعة ما يتبدى له من رأي.
[11] لا يهتم لعيب.
[12] لا يتّقي العواقب.
[13] مغروراً.
[14] لم يحصل على عوض مما تعب فيه.
[15] لم يقم بما وجب عليه.
[16] هاجمته بغتة.
[17] عزّ عنفوانه وادعاءه القوّة.
[18] طرق لهوه.
[19] مكث محتاراً.
[20] النساء تندب عليه خوفاً من مصيرهن بعدما حلّ به من مرض الموت والاحتضار.
[21] لاطمة.
[22] مصيبة مهولة.
[23] أنين.
[24] تجذب الملائكة روحه جذبة مؤلمة.
[25] تسوقه الملائكة إلى برزخ الموت.
[26] لابسا الكفن بعد الحرير والديباج.
[27] لا يستطيع مقاومة.
[28] وضع في خشب التابوت جثة بلا حراك، كالدّابة المتعبة المستلقية بلا حراك.
[29] ساكنا مهيضاً.
[30] الأحفاد والأولاد يحملونه في الجنازة.
[31] الإخوان المحتشدون.
[32] إلى حيث لا أحد يزوره.
[33] قريباً من وقت المسائلة.
[34] حرج السؤال.
[35] صعوبة الامتحان.
[36] المقام في حرارة الجحيم.
[37] هيجان.
[38] بعض الوقت، أو تخفيف العذاب.
[39] وداعة تزيح عنه ما هو فيه.
[40] موت ناجز نهائي.
[41] نوم.
[42] أنواع وتتابع الموت من غير توقف.
[43] استغلّوا أعمارهم الطويلة بالتنعّم دون التدبر.
[44] فهموا دروس الحياة.
[45] أمهلهم الخالق لكنهم عادوا للهو.
[46] سلّمهم من الكروب فنسوا بعد السلامة.
[47] التي تورّط صاحبها.
[48] التي تسخط الخالق.
[49] مهرب.
[50] مكان آمن.
[51] لم تكذبون على أنفسكم.
[52] عرض حفرة القبر.
[53] وضع خدّه على التراب في القبر.
[54] الحبل على عنق الدابة.
[55] مرخى.
[56] وقت.
[57] المكان الذي نحتشد فيه لتلبية رغباتنا، هنا شبّه الحياة بالسوق.
[58] مهلة بقية أعمارنا.
[59] عدم القدرة على انفاذ ما نريده.
[60] مهلة التوبة.
[61] المصيبة.
[62] ضيق القبر.
[63] الخوف الشديد.
[64] الهلاك.
[65] الموت.
[66]نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٤٣.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى