من أقوال الامام علي (عليه السلام) في التذكير باغتنام الصحة والحياة قبل المرض والموت

2023.10.02 - 08:19
Facebook Share
طباعة

  قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في التذكير بعظيم خلق الله وأنعمه في بدن الإنسان، وغفلته بالمقابل عن آخرته، ونسيانه التمهيد لحياته الأخرى:

"جَعَلَ لَكُمْ أسْمَاعاً لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا([1])، وَأَبْصَاراً لِتَجْلُوَعَنْ عَشَاهَا([2])، وَأَشْلاَءً جَامِعَةً لأعْضَائِهَا([3])، مُلاَئِمَةً لاِحْنَائِهَا([4]) في تَرْكِيبِ صُوَرِهَا، وَمُدَدِ عُمُرِهَا، بِأَبْدَان قَائِمَة بِأَرْفَاقِهَا([5])، وَقُلُوب رائِدَة([6]) لأرْزَاقِهَا، فِي مُجَلِّلاَتِ([7]) نِعَمِهِ، وَمُوجِبَاتِ مِنَنِهِ، وَحَوَاجِزِ([8]) عَافِيَتِهِ. وَقَدَّرَ لَكُمْ أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ، وَخَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ، مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلاَقِهِمْ([9])، وَمُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ([10]أَرْهَقَتْهُمُالْمَنَايَا دُونَ الآمَالِ([11])، وَشَذَّبَهمْ عَنْهَا([12]) تَخَرُّمُ الآجَالِ([13])، لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلاَمَةِ الأبْدَانِ([14])، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ([15])الآوَانِ.فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ([16]) الشَّبَابِ إِلاَّ حَوَانِيَ الْهَرَمِ؟ وَأَهْلُ غَضَارَةِ([17]) الصِّحَّةِ إِلاَّ نَوَازِلَ السَّقَمِ؟ وَأَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلاَّ آوِنَةَ الْفَنَاءِ؟ مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ([18])، وَأُزُوفِ([19]) الانتِقَالِ، وَعَلَزِ([20]) الْقَلَقِ، وَأَلَمِ الْمَضَضِ([21])، وَغُصَصِ الْجَرَضِ([22])، وَتَلَفُّتِ الاِسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَالأقْرِبَاءِ، وَالأعِزَّةِ وَالْقُرَنَاءِ!فَهَلْ دَفَعَتِ الأقَارَبُ، أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ؟([23]) وَقَدْ غُودِرَ([24]) فِي مَحَلَّةِ الأمُوَاتِ رَهِيناً([25])، وَفِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً، قَدْ هَتَكَتِ الْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ([26])، وَأَبْلَتِ النَّوَاهِكُ([27]) جِدَّتَهُ، وَعَفَتِ([28]) الْعَوَاصِفُ آثَارَهُ، وَمَحَا الْحَدَثَانُ مَعَالِمَهُ([29])، وَصَارَتِ الأجْسَادُ شَحِبَةً([30]) بَعْدَ بَضَّتِهَا، وَالْعِظَامُ نَخِرَةً([31]) بَعْدَ قُوَّتِهَا، وَالأرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا([32]) مُوقِنَةً بَغَيْبِ أَنْبَائِهَا، لاَ تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا، وَلاَ تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّءِ زَلَلِهَا([33]) أَوَلَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَالابَاءَ، وَإِخْوَانَهُمْ وَالأقْرِبَاءَ؟ تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ([34])، وَتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ([35])، وَتَطَؤُونَ جَادَّتَهُمْ([36])؟! فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا، لاَهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا، سَالِكَةٌ في غَيْرِ مِضْمارِهَا! كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ([37]) سِوَاهَا، وَكَأَنَّ الرُّشْدَ في إحْرَازِ دُنْيَاهَا"([38]).


[1]تهتمّ وتفهم ما يعنيكم.
[2] أبصاراً تكشف لكم في أصعب ظروف الرؤية.
[3] وجمّع الأعضاء في أجهزة رئيسيّة في الجسم.
[4] هذه الأعضاء تتناسق مع شكل البدن في تناغم انحاءاته في تصميم بديع.
[5] هذه الأبدان تقوم بمهماتها المتناسقة كالمرافق الحيوية في أي مشروع منظّم دون خلل ودون كلل أو ملل.
[6] طالبة لأرزاقها.
[7] نعم الله الجليلة المكنوزة للعبادة.
[8] حواجز العافية أي ما يمدنا بالقوة والحصانة ضد الأمراض ضمن حواجزها في الجسم.
[9] مما استمتعوا به وكان من نصيبهم وبقي لكم أثره عبرة.
[10] ما أوسع الله به عليهم من متنفس.
[11] ماتوا قبل أن يحققوا أمانيهم بالخلود.
[12] قطّعهم.
[13]  قصر الآجال وتقطعها بهم.
[14] لم يمهدوا الطريق لآخرتهم وهم أصحاء الأبدان.
[15] لم يعتبروا في الوقت المناسب.
[16]النضارة.
[17] الخصوبة.
[18] الفراق.
[19] اقتراب الموعد.
[20] الهلع وقت الاحتضار.
[21] عدم الرضى.
[22] الريق.
[23] النائحات الباكيات.
[24] تُرك.
[25]حبيساً في قبره.
[26] بدأ الدود يأكل جثّته.
[27] كل ما ينتهك حرمة الجسد من البلي والتفسخ.
[28] مُحي ذكره.
[29] وأنسى تعاقب الليل والنهار أهله إياه.
[30] يابسة بعد طراوتها.
[31] نخرها السوس وهشمها.
[32] بثقل ذنوبها التي ارتكبتها في الحياة.
[33] لا تستطيع زيادة ما عملته من خير، ولا أحد يسمع عذرها فيما صنعته من سيئات.
[34] تفعلون نفس أفعالهم.
[35] تتبعون طريقتهم.
[36] تسيرون على هداهم.
[37] كأنّكم غير معنيين بما حدث مع الأمم قبلكم.
[38] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٣٨.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى