قال الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، المفسدون أربعة أصناف، منهم من لا يستطيع الفساد لعدم إمكانيّته، فهو مهين ضعيف، قليل الحيلة والمال، والصنف الثاني معلن الشرّ، شاهر السيف، قد جمع كل إمكاناته من أجل الفساد والإفساد في الأرض، قد لبس لباس الحرب، وأبطل دينه وورعه من أجل انتهاز حطام هذه الدنيا الزائف، أو من أجل أن يقود جماعة من الخيّالة ويوجهها لمصالحه وإيذاء الناس، أو من أجل منبرٍ يعتليه فيزيّف للناس أمر دينهم ودنياهم. إنّه لبئس ما تشتري به نفسك من هذه المكاسب الدنيئة، وتبدل ما عند الله بما عند الناس من مكاسب. وهناك صنف يتمسّك بالدين ليرائي الناس، فيوهمهم بأنه من أهل الآخرة، وهو مفسد فاسد همّه الدنيا وما عند النّاس، فيمثّل عليهم تواضع الإيمان، فيمشي رويداً ويطأطئ رأسه، وقصّر ثوبه، وادّعى الأمانة، مستغلاً ستر الله لأجل المعصية. وصنف آخر لا يستطيع الفساد بسبب حقارة امكانياته، واقطاع السّبل فيه، فلبس لباس الزّهد عن غير قناعة، وليس له منها أي أجر مهما اجتهد، فلا يجزيه الله لا في ذهاب ولا إياب:
"النَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَاف،مِنْهُمْ مَنْ لاَ يَمْنَعُهُ الفَسَادَ في الاْرْضِ إِلاَّ مَهَانَةُ نَفْسِهِ، وَكَلاَلَةُ حَدِّهِ([1])وَنَضِيضُ وَفْرِهِ([2])وَمِنْهُمُ المُصْلِتُ لِسَيْفِهِ، وَالمُعْلِنُ بِشَرِّهِ، وَالُمجْلِبُ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ([3])، قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ([4])، وَأَوْبَقَ دِينَهُ([5]) لِحُطَام([6]) يَنْتَهِزُهُ، أَوْ مِقْنَب([7]) يَقُودُهُ، أَوْ مِنْبَر يَفْرَعُهُ([8]). وَلَبِئْسَ المَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً، وَمِمَّا لَكَ عِنْدَ اللهِ عِوَضاً!وَمِنْهُمْ مَنْ يَطلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الاْخِرَةِ، وَلاَ يَطْلُبُ الاْخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا، قَدْ طَامَنَ([9]) مِنْ شَخْصِهِ، وَقَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ، وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ، وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلأمَانَةِ، وَاتَّخَذَ سِتْرَ اللهِ ذَرِيعَةً إِلَى المَعْصِيَةِ.وَمِنْهُمْ مَنْ أقْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ المُلْكِ ضُؤولَةُ نَفْسِهِ([10])، وَانقِطاعُ سَبَبِهِ، فَقَصَرَتْهُ الحالُ عَلَى حَالِهِ، فَتَحَلَّى بِاسْمِ القَنَاعَةِ، وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ، وَلَيْسَ مِنْ ذلِكَ في مَرَاح([11]) وَلاَ مَغْدىً([12])".([13])
[2] قليل الإمكانات والمال.
[3] الذي جمع للحرب عشيرته.
[4] لبس لباس الشُرط، وهي كناية عن الحرب.
[5] أبطل إيمانه وعقيدته بالباطل.
[6] حطام الدنيا متاعها الزائف.
[10] صغر همّته، وقلّة حيلته.
[13] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٧٧.