الصفات الانسانية السلبيّة الواجب اجتنابها برأي الامام علي (عليه السلام)

2023.08.17 - 02:06
Facebook Share
طباعة

 قال الامام علي (عليه السلام):

"الْبُخْلُ عَارٌ، وَالْجُبْنُ مَنْقَصَةٌ، وَالفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ، وَالْمُقِلُّ غَرِيبٌ فِي بَلْدَتِهِ، وَالْعَجْزُ آفَةٌ، وَالصَّبْرُ شَجَاعَةٌ، وَالزُّهْدُ ثَرْوَةٌ، وَالْوَرَعُ جُنَّةٌ"([1]).
حوت هذه الحكمة مجموعة من التوجيهات المهمة، والتي تثمر بمجموعها شخصيةً متوازنةً للإنسان، في إطار المجتمع، فيحسُن أن نتسلسل في شرحها، مظهرين جميع النقاط الأساسيّة الهامّة في موعظة أمير المؤمنين:
1- البخل: هو عارٌ على صاحبه، ونقص في رجولته، ومروءته، وهو أيضاً جامع لمساوئ العيوب، ويؤدي إلى كل سوء مما يوجب على الإنسان السويّ الابتعاد عنه، وبالمقابل التحلي بصفات الكرم ابتداءً.
2- الجبن: من المعلوم أن القدرة على المواجهة والمدافعة، ومغالبة النفس هي من صفات الكمال في الإنسان، بينما التخاذل والضعف والتّراجع، هي من صفات النقص المستوجبة للذم في الإنسان؛ لأن الإنسان الذي يسعى للصّفات المثلى، عليه أن يتحلى بالقدرة على مواجهة الأزمات والتغلب عليها. فالإمام (عليه السلام) يحذر من الجبن، لأنه مما يُنتقص به الإنسان، فلا بد من أن يترافق الإيمان في نفس الإنسان مع ذمّ الجبن، لأن المؤمن موقن أنّه لا يصيبه شيء إلا بأمر الله.
3- الفقر: من المصائب التي تورث الضّعف، وعدم الثّقة بالنّفس، وفي هذا تحليل نفسي عظيم لهذه الحالة التي تصيب معظم النّاس فتخرجهم من دائرة النفع الاجتماعيّة وتحوّلهم إلى عالة على مجتمعاتهم، إذاً ليس غريباً أن نرى أمير المؤمنين (عليه السلام)، يتوعّد الفقر قائلاً: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته"([2])، فهو يقصد من ذلك أنّه يريد قتل كلّ ما يقف في طريق نهضة المجتمع وتطوّره. وهي دعوة أيضاً من الإمام (عليه السلام) إلى احترام صاحب الرأي، وعدم ازدراءه حتّى وإن كان فقيراً، والكفّ عن التنمّر على أصحاب الفاقة، وكذلك رعاية الفقراء، ومعاونتهم على تجاوز محنهم.
4- ثم أكمل (عليه السلام) المعنى في الجملة السابقة (الفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ)، بقوله: "الْمُقِلُّ غَرِيبٌ فِي بَلْدَتِهِ"، للتأكيد على مسألة مكمّلة للفكرة، فالإقلال هو قلّة الوصل والتواصل بين أفراد المجتمع، فالشخص الانطوائي المبتعد عن مجتمعه، وكما يقولون عنه باللغة الدّارجة (في حاله)، هو شخص غريب بين أهله، قد انزوى وتوحّد، لا يتعاطى الشأن العام، ويرى أنه من الأسلم له أن يعتزل النّاس، فهذا الاغتراب الطّوعي شيء غريب على الطبيعة البشريّة، ويبعد الإنسان عن مسألة هامّة في حياة الفرد والمجتمع، ألا وهي التفاعل، فمن غير التفاعل يفقد المجتمع حركيّته، ويفقد الإنسان جدوى وجوده، وتصبح الحياة رتيبة مزرية.
5- (العجز): إن الشعور بالعجز وعدم القدرة على العطاء، أو الكسب، أو التعلّم، شيء خطيرٌ يتملّك الإنسان، فيجعله غير لائقٍ نفسيًا وجسديًا في مرحلة لاحقة، مما يثير في الإنسان مشاعر المعاناة والألم الداخلي، لذلك أكّد عليه السلام، على أنّ العجز في أيّ مرحلة من مراحله، يعتبر مفسدةً، لما يرافقه من طاقة هدّامة، تنقض كلّ منجزات الشخص العاجز السّابقة، ويجدر بنا التنويه هنا، إلى أنّ العجز النفسي، هو المقصود في كلام أمير المؤمنين عليه السلام، وليس العجز البدني أو العاهات التي قد تصيب بني البشر، فكلمة (آفة) التي عبّر بها الإمام عن فكرته، تدلّ على هذا التوجّه، إذ ربّما نجد الهمّة عند هؤلاء مضاعفة أضعافاً بالمقارنة مع غيرهم من الأصحّاء العاجزين نفسياً.
6- (الصبر): لا شك أن الإنسان معرّض للابتلاء طالما أنّه في دار الامتحان، فحلول المصائب به، هو أمر طبيعي، لكنّ ردّة فعله على هذا النّوع من الابتلاء هي التي تكشف عن معدنه، فإمّا أن يستسلم وينهار، كما هو حال الضعيف، أو أن يواجه المشكلة باحثًا عن حلٍ لها، فيتجلد ولا يشتكي مما أبتلي به، إن روح المقاومة وعدم الاستسلام للمصائب تعتبر من أهمّ الصّفات البشريّة كمالاً، فيما إذا كانت بمعناها الإيجابي، ألا وهو استيعاب الضرر، والبحث عن الحلول، أمّا الاستسلام السلبي، والرّضوخ للأمر الواقع، فهذا ليس من معاني الصّبر مطلقاً.
7- الزهد لغة هو (الإعراض عن الشيء احتقارًا له)، لذا فإن الزّاهد ثريٌ غنيٌ بما سيطر على نفسه، فلم يذلّها لأحد من أجل الحصول على شيء من حطام الدّنيا، والزهد أيضاً يعني الترفع عما في أيدي الناس. والزاهد لديه ثقة بأن الدنيا وما فيها لله تعالى، وبأن ما فيها زائل، وأن من يملك شيئًا ماديًا، لا بد أن يفارقه في يوم ما، وإذا كان المال هو وسيلة للوقوف في وجه عاديات الزّمن، فالزاهد حفظ مستقبله بالاستعانة بالله، والتوكل عليه، بما لا تتوقف معه عجلة الحياة، من دون طلب ما يزيد عن الاحتياج -كما هي عادة المتمسّكين بالدنيا- وبهذه السيطرة الفريدة على النفس، يمتلك الزاهد ما يغنيه عن معونة أحد.
8- (الورع): إن الورع يتكرّس لدى الإنسان إذا اجتنب المعاصي والشبهات، وبذلك يكون قد أحاطت به سترة واقية من العَوادي، والآفات التي يحتمي منها الإنسان غالبًا، كالمرض، والفقر، وعدم الاستقرار، لأن المعاصي، أو الأمور المشتبهة المكروهة، إذا ابتعد عنها الإنسان سوف يتخلّى من مشاكل عديدة ربّما يتعرض لها غيره، نتيجة عدم التورّع والاجتناب.
إذاً فحيازة مثل هذه الصّفات السلبيّة في حياة المرء، هي مدعاة للتخلّف والتراجع، وإنّ اجتنابها ليس من باب الكماليات، بل هو تشخيص علوي متقدّم لسلبيّات المجتمع التي يجب دحضها والابتعاد عنها، إذا أردنا النهوض بمجتمعاتنا.


[1]- نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٤ - الصفحة ٣.
[2]- النظام السياسي في الإسلام، باقر شريف القريشي ص247.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى