شرح معنى الاستدراج في كلام الامام علي (عليه السلام)

2023.08.07 - 12:19
Facebook Share
طباعة

 لقد حظي مصطلح (الاستدراج)، بالكثير من التركيز في النهج العلوي المقدس، بيانًا واشارةً واستثمارًا، فالاستدراج في كلام الامام علي (عليه السلام)، يرمز إلى التنبيه والتوجيه، فإنّ كل ما يمر مع الإنسان في حياته، إنّما هو من مستلزمات الاختبار، فعندما يعطيك الله سبحانه وتعالى عطيّة ما، فإنّها (استدراج)، ليعرف الله من خلالها ما أنت فاعلٌ بنعمته، يقول:

"أَيُّهَا النَّاسُ، لِيَرَاكُمُ اللهُ مِنَ النِّعْمَةِ وَجِلِينَ، كَمَا يَرَاكُمْ مِنَ النِّقْمَةِ فَرِقِينَ، إِنَّهُ مَنْ وُسِّعَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ يَدِهِ، فَلَمْ يَرَ ذلِكَ اسْتِدْرَاجاً فَقَدْ أَمِنَ مَخُوفاً، وَمَنْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ يَدِهِ فَلَمْ يَرَ ذلِكَ اخْتِبَاراً، فَقَدْ ضَيَّع مأمولا"([1])
فستر الله قد يُنسي المرء الحساب، وقد يجعله مغتّراً بطول الأمل، وأن ذلك قد يدوم، ولكن هذا كلّه زائل، وهو يكون بذلك قد أمن مخوفاً، أي أمن شيئاً مخيفاً لا يمكن إئتمان شرّه، لذلك يشدد أمير المؤمنين (عليه السلام) لهجته بالقول:
"الْحَذَرَ الْحَذَرَ فَوَاللَّه لَقَدْ سَتَرَ حَتَّى كَأَنَّه قَدْ غَفَرَ"([2])
 فكم يقابل الله إساءتك بالإحسان إليك، وكم يتفضّل عليك بأشياء لا تستحقها، وأنت بدلاً من الشكر تغرق نفسك بالذنوب؟ هذا هو الاستدراج تماماً، حتّى أنّ الإنسان يفتتن بذلك، لما يرى من أنعم الله عليه، وتعلّق النّاس به، وحسن إطراءهم عليه، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام):
"كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَج بالإحسان إلَيْهِ، وَمَغْرور بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ، وَمَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ! وَمَا ابْتَلَى اللهُ أَحَداً بِمِثْلِ الاْمْلاَءِ لَهُ"([3])
يتضاعف مع كل نعمة مسبغة، ويقول أيضا (عليه السلام):
"وَرُبَّ مُنْعَم عَلَيْهِ مُسْتَدْرَجٌ بِالنُّعْمَى، وَرُبَّ مُبْتَلىً مَصْنُوعٌ لَهُ بِالْبَلْوَى! فَزِدْ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ فِي شُكْرِكَ، وَقَصِّرْ مِنْ عَجَلَتِكَ، وَقِفْ عِنْدَ مُنتَهَى رِزْقِكَ"([4]).
فأين هم هؤلاء الذين إذا أغدق الله عليهم نعمه انتبهوا؟ وقابلوا ذلك بمزيد الشّكر، وتركوا قلوبهم صاحية، لا يستثمرون نعم الله في منكر، ولا يستعملونها في معصيته، وهل هناك ذنب أكبر من أن تستعمل نعم الله في معاصيه؟
إذاً فالاستدراج حالة تطبيقيّة تجريبيّة، يجرّب بها الله سبحانه وتعالى عباده، ثمّ ينظر في أعمالهم، يقول الله سبحانه وتعالى:
{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}([5])
علينا إذاً الحذر من استدراج الله لنا بالنّعم، وأن نتحرّى توجيهات أمير المؤمنين (عليه السلام)، الذي رسم لنا برنامجاً تربويّاً وقائيّاً، يحول دون الوقوع في ابتلاء الاستدراج، بالشكر على النّعم أولاً، والابتعاد عن الذنب ثانياً.


[1]- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٠ - الصفحة ٣٨٣.
[2]- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٥ - الصفحة ٤٥٥.
[3]- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٩ - الصفحة ١٠٣.
[4]- نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٤ - الصفحة ٦٦.
[5]- سورة الأعراف: الآية 182.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى