التربية الاخلاقية للمجتمع في كلام الامام علي (ع)

2023.08.07 - 12:18
Facebook Share
طباعة

 يركّز أمير المؤمنين (عليه السلام) في عظاته على لفظ (ابن آدم) بشكل لافت؛ فاختياره لهذا اللفظ، ولا سيَّما في مجال التربية، ليس عبثاً، وإنّما مقصودٌ لأسباب عدّة منها مثلاً شموله كلّ البشر فيما يعظ به، ومحاولته الوصول لأكبر قدر ممكن من الناس، أيضاً فإنَّ هذا اللفظ (ابن آدم) يشير إلى انتساب البشر إلى النبيِّ المكرَّم، ومن هنا، فإنَّ أمير المؤمنين يُذكِّرُ البشر بهذا الأصل المقدَّس الذي جعله الله تعالى خليفةً له في الأرض. ومن جانبٍ آخر يمكن لنا أن ننظر إلى الأصل الاشتقاقي للفظة (آدم)، وهي الأدمة، التي تعني وجه الأرض، وذلك تذكير الإنسان بأصل خلقته التي هي من التراب، وممَّا ورد في ذلك قوله (عليه السلام):

"يَا بْنَ آدَمَ، إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يُتَابِعُ عَلَيْكَ نِعَمَهُ وَأَنْتَ تَعْصِيهِ فَاحْذَرْهُ"([1])
ما أعظمها من موعظة، فإنّ ابن آدم يغترّ بستر الله عليه، فيمعن في الإثم، ويمنّي النفس بدوام ستر الله عليه، لكن الإمام يحذّره، ويخبره بأن ذلك لا يدوم أبداً، ولم يدم لأحد من بني آدم من قبل. وقال (عليه السَّلَام):
"يَا بْنَ آدَمَ، مَا كَسَبْتَ فَوْقَ قُوتِكَ، فَأَنْتَ فِيهِ خَازِنٌ لِغَيْرِكَ"([2])
كلّ ما يخزنه ابن آدم، مما يزيد عن حاجته، هو شيء مأخوذ من أمام آخر محتاج أولاً، وهو قيمة ضائعة لصاحبها، فالاحتمال بأن لا تكون من نصيبه قائم، فمن يعرف إذا كان سينال مما خزن، أو اكتسب، والشواهد الكثيرة تقول أنّ المخزون إنما يكون من نصيب الورثة.
وقال (عليه السَّلَام):
"يَا بْنَ آدَمَ، كُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ، وَاعْمَلْ فِي مَالِكَ مَا تُؤْثِرُ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ مِنْ بَعْدِكَ"([3])
ينبّه أمير المؤمنين الغافلين من بين آدم، إلى أن يبادروا فيكونوا أوصياء على أموالهم قبل موتهم وتعيين الأوصياء على تركتهم، فلماذا يفوّت العاقل على نفسه فرصة فعل ما يحبّ؟ ويترك كلّ ما بين يديه لغيره يفعلون بها ما يرونه هم مناسباً.
وقال (عليه السَّلَام):
"يَا بْنَ آدَمَ، لاَ تَحْمِلْ هَمَّ يَوْمِكَ الَّذِي لَمْ يَأْتِكَ عَلَى يَوْمِكَ الَّذِي قَدْ أَتَاكَ، فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ مِنْ عُمُرِكَ يَأْتِ اللهُ فِيهِ بِرِزْقِكَ"([4]).
فلا يهمّك تحصيل ما هو لك، فهو آتيك لا محالة، فلمَ تضيع قوّتك ووقتك في مطاردة أشياء هي لك.
يقول أمير المؤمنين أيضاً:
"ما لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، ولاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ"()
 ينهى الامام علي (عليه السلام) الإنسان عن الفخر والتفاخر بغير حق؛ لأنَّه فضلًا عن أصله الترابيِّ المتواضع، فإنّ أوَّله نطفة تعافها الأنفس السليمة، وآخره جيفة يُحفر لها في باطن الأرض لكي يتمَّ التخلُّص من ضررها، ومع ذلك، فهو لا يستطيع أن يرزق نفسه، ولا أن يدفع عن حاله الضرر، وفي هذا المعنى أيضًا يقول الامام علي (عليه السلام):
"مِسْكِينٌ ابْنُ آدَمَ: مَكْتُومُ الاْجَلِ، مَكْنُونُ الْعِلَلِ، مَحْفُوظُ الْعَمَلِ، تَؤْلِمُهُ الْبَقَّةُ، وَتَقْتُلُهُ الشَّرْقَةُ، وَتُنْتِنُهُ الْعَرْقَةُ"([5]).
يُظهر أمير المؤمنين الرأفة بهذا المخلوق البشري، الذي يتملكه الضّعف، فهو لا يعرف متى يُغادر هذه الدُّنيا، ولا يعلم من أين تأتي علَّته، تؤلمه أبسط الحشرات بأوهن الأدوات، ويمكن أن يموت بغصَّةٍ في ريقه.
لا يمكن لأي معلمٍ أن يرتقي لأسلوب أمير المؤمنين في التوجيه والنّصح، فهو الذي إن وعظ أعطى الحجّة والبرهان للنّاس كافّة على صحّة ما يقول، ولم يعارضه في ذلك لا علم ولا فكر ولا منطق. ما أعظم إمامنا، وما أوقد فكره.


[1] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٤ - الصفحة ٧.
[2] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٩ - الصفحة ١٠.
[3] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٤ - الصفحة ٣٥٥٢.
[4] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٠٠ - الصفحة ٣٧.
[5] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ٦٢.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى