وصيّة للأبناء في كلام الامام علي (عليه السلام)

2023.08.07 - 12:18
Facebook Share
طباعة

 من روائع وصايا الآباء لأبنائهم ما نلقاه من كلام الامام علي (عليه السلام)، الذي يشتمل على كثير من مكارم الأخلاق، وفيه يقول (عليه السلام):

"يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ"().
 
ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في بيان هذه الوصية معنى قوله عليه السلام: "ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلم"، وفي هذه الوصية جملة من الأمور التي يجب التوقّف عندها مليّاً، فقد أشار الإمام علي على ابنه أن يجعل نفسه ميزانا بينه وبين غيره، ووجه استعارة لفظ الميزان بمعنى أن يكون ذا عدل بين نفسه وبين الناس ككفتي الميزان. ثمّ شرح وجوه العدل والتسوية الَّتي أمره أن يكون ميزانا في تطبيقها، فمنها أفعال إيجابيّة، أي يجب الإتيان بها، كالإحسان مثلاً، ومنها سلبيّة، أي أن يحجم عنها كظلم الآخرين:
فالأوّل إيجابي: وهو أن يحبّ لغيره ما يحبّ لنفسه، ويكره له ما يكره لها. فالإنسان المنصف والحكيم في آن معاً، يعامل النّاس تماماً كما يحبّ أن يعاملوه، فإن أحسن لهم أحسنوا له، وإن أساء لهم، فليس عليه أن يغضب، فهو البادئ.
الثاني سلبي: ألا يظلم، كما لا يحبّ أن يُظلم، فيسلم من رذيلتي الظلم، وتبعات الظلم. فالامتناع عن الظلم من أهم ركائز الإنسان المؤمن السوي، فالظلم لا تحمد عواقبه على جميع الأصعدة، والعاقل لا يظلم، كي لا يُظلم، وهذا قانون كوني مجرّب وفعّال.
الثالث إيجابي: أن يحسن إلى الغير كما يحبّ أن يُحسن إليه، والإحسان فضيلة من أهمّ الفضائل التي يجب على الإنسان أن يتحلّى بها، كي يحظى بحب الله، فالله يحبّ المحسنين، ووعدهم ألا يكون جزاء إحسانهم إلا إحساناً.
الرابع إيجابي أيضاً: وهو أن يستقبح من نفسه ما يستقبح من غيره. فعليك أن تستنكر الفعل الذي تأتيه أنت كما تستنكره من غيرك.
الخامس إيجابي: أن يرضى من الناس ما يرضاه لهم من نفسه: أي كلّ ما رضى أن يفعله بهم من خير أو شرّ، فينبغي عليه أن يرضى بمثله منهم.
السادس سلبي: ألا يقول ما لا يعلم، وإن قلّ ما يعلم، لأنّ قلَّة العلم قد يكون مدعاة لدى بعض الناس كي تتمنطق بغير علم، وفي هذا ضلال ما بعده ضلال، وجهل ما بعده جهل، وعواقب وخيمة مدمّرة، على الشخص بحدّ ذاته، وعلى المجتمع.
السابع سلبي أيضاً: ألا يقول لأحد ما لا يحبّ أن يقال له: كالمواجهة بالعيوب والألقاب المكروهة. قال الله تعالى: {إن الله يكره الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم}([1]).     
ما أعظم نصائحك يا مولاي، وما أبعد مراميك، هنيئاً لمن نهج نهجك، واقتدى بأثارك.


[1] سورة النساء: الآية 148.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى