النصح الأخلاقي في كلام الامام علي (ع)

2023.08.02 - 12:36
Facebook Share
طباعة

 يعدّ الإصلاح الأخلاقي، والاجتماعي، من أهمّ سمات النّهضة العلويّة في مجتمع الدولة الإسلاميّة، وإذا أردنا تحديد مشكلة الإمام الحقيقيّة مع خصومه، فإنّها كانت أخلاقيّة بالدّرجة الأولى، فلو كان أمير المؤمنين يقترف ذنفس أثام مخالفيه -لا سمح الله- لما كان تعرّض لمثل ما تعرّض له من معارضة وتخاذل. يقول أمير المؤمنين عن أخلاقه بمواجهة خصومه: "والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر. ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة. ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة"([1]).

إذاً فالمسألة الأخلاقيّة هي من الأهميّة بمكان في حياة أمير المؤمنين، بحيث جعلت منه عدواً للكثيرين ممن لم تردعهم أخلاقهم، ويكفينا في ذلك أن نذكّر بقول معلّم الإمام الأوّل، ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ يقول في الحديث الشريف: "إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"([2]).
وإنّ من مكارم الأخلاق، ألا تعيب على النّاس ما تقوم به أنت في سرّك أو علنك، قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
"أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله"([3]).
إنّ هذا الفعل، من القبح بمكان، حتّى يجعل المرء جاهلاً، رغم كلّ ما يحمله من علوم، فنرى أمير المؤمنين يصم العائبين على النّاس، الذين يأتون ما عابوا بأنّهم جهلة، يقول (عليه السلام):
"كفى بالمرء جهلا أن ينكر على الناس ما يأتي مثله"([4])
وقال أيضاً:
"كفى بالمرء جهلا أن يجهل عيوب نفسه، ويطعن على الناس بما لا يستطيع التحول عنه"([5])
يقول الله تعالى، مستنكراً على هؤلاء القوم ما هم فيه من تنطّعٍ، وادّعاء بمكارم الأخلاق، وتصدّيهم للوعظ، بينما هم يكونون في أمسّ الحاجة للاتعاظ قبل غيرهم: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم}([6]). وفي المعنى ذاته، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام):
"إن سمت همتك لإصلاح الناس فابدأ بنفسك، فإن تعاطيك إصلاح غيرك وأنت فاسد أكبر العيب"([7])
من هنا شدد أمير المؤمنين على هذا الأمر، لما فيه من كشف لسريرة الأشخاص المتولين للإرشاد في مجتمعاتنا، وفيه أيضاً دعوة إلى أن يهذب الإنسان نفسه، ولا ينتقد أحداً بعيب هو متصف بمثله، فإن هذا من العيب سوف يفسح المجال لانتقاده أيضاً. فالعاقل لا يقع بمثل هذا الخطأ الجسيم، فاتحاً على نفسه باباً قد لا يستطيع إغلاقه، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام):
"من أشد عيوب المرء أن تخفى عليه عيوبه"([8])
فلابد إذاً من كف اللسان، وتعويده على التحفظ، وإلا كَثُرَ الخصوم والعيّابون، لأنك لو نطقت، لك لسان واحد، بينما لغيرك ممن حواليك وممن يبلغهم عيبك ألسن متعددة بعددهم، ومن المؤكد أن الإنسان الواحد لا يستطيع مقاومة العدد الكثير لأنه متى حاول سدّ جهة انفتحت له جهات أخرى.
نستذكر هنا قول الإمام الشافعي رحمه الله:
لسانك لا تذكر به عورة امرئ              فكلّك عوراتٌ وللنّاس أعين


[1] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٢ - الصفحة ١٨٠.
[2] أحمد بن حنبل، مسند أحمد طبعة الرسالة، صفحة 512-513.
[3] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ٢٢٠٦.
[4] المرجع السابق.
[5] المرجع السابق.
[6] سورة البقرة: الآية 44.
[7] ميزان الحكمة، المرجع السابق - الصفحة ٢٢٠٦.
[8] المرجع السابق.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى