مدرسة أمير المؤمنين علي (عليه السلام)

2021.09.30 - 09:33
Facebook Share
طباعة

مدرسة أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) هي أكاديميّة علمية تربويّة متكاملة، إذ تجد فيها دروساً للأب الذي يريد أن يربّي أبناءه. فهاهو يعلّمه أهمّ الدّروس التربوية الحديثة، التي تعتمد الآن في المجتمعات المتحضرة، فيقول: "إذا وعدتم الصبيان (الأطفال ذكوراً وإناثاً) ففوا لهم، فإنّهم يرون أنّكم الذين ترزقونهم، إنّ الله عزّ وجلّ ليس يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان([1])". إن التربيّة والتنشئة مسؤوليّة أبويّة هامّة، وهي تبدأ مع العلم بالحمل، فواجب الأبوّة لا ينحصر بالسعي لإعالة الأسرة فحسب بل أكثر من ذلك، يقول أمير المؤمنين: "حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ، أَنْ يُحَسِّنَ اسْمَه، ويُحَسِّنَ أَدَبَه ويُعَلِّمَه الْقُرْآنَ([2])".
 
دروس في الأمانة، وأنّها أخت الصّدق، وأنّها تنجي صاحبها من البلايا كدرعٍ في الحرب، فإنّه لا يغدر من علم أنّه سيعود للحساب، وأن الجهّال من أهل هذا الزّمان يحسبون أنّ قلّة الوفاء هو من حسن الحيلة، ولا يدرون أنّهم يكتسبون إثماً عظيماً: "أيها النّاس إن الوفاء توأم الصّدق، ولا أعلم جُنّة أوقى منه، ولا يغدر من علم كيف المرجع، ولقد أصبحنا في زمانٍ قد اتّخذ أكثر أهله الغدر كيّساً، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة([3])".
دروس للصغار كيف يحترمون ويوقّرون الكبار وأن يتعلّموا من خبراتهم، ودروس للكبار كيف يرأفون بالصّغار، وألا يكون النّاس جُهّالاً كأهل الجاهليّة، لا يعرفون شيئاً عن الدين، ولا هم يرغبون بمعرفة الله وما يرقيّهم ويرفع من قدرهم، يقول أمير المؤمنين: "ليتأسّ([4]) صغيركم بكبيركم، وليرأف كبيركم بصغيركم، ولا تكونوا كجفاةِ([5]) أهل الجاهليّة، لا في الدّين يتفقّهون، ولا عن الله يعقلون([6])".
دروس في الاستقامة، والتّواضع، وارتداد أعمال المرء إليه، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "وضع فخرك، واحطط كِبرك، واذكر قبرك، فإنّ عليه ممرك، وكما تُدين تُدان، وكما تزرع تحصد([7])".
 
دروس في الإنصاف، وحسن التعامل بين النّاس، فالمرء يجب ألا يخوض بالأحاديث حين الاشتباه، وعليه أن يسعى للتأكّد والتثبّت قبل أن يحكم، وكذلك يجب عليه العدل في حكمه على أيّ حالة في الرّضا والغضب، قال أمير المؤمنين: "يا بنيّ عليك بالصّمت عند الشّبهة، والعدل في الرّضا والغضب([8])".
 
دروس في عدم الثرثرة والهذر بما لا يعرفه المرء، فكم من مصيبة وقعت على رؤوسنا من ثرثرات لم نقم لها وزناً حين تكلّمنا بها، دروس تعلّمنا أن الكلمة التزام، فعلينا أن نحفظ التزاماتنا من الضياع، لأن الله سيأسلنا عنها يوم العرض عليه، ودروس كيلا نقول كلّ ما لدينا، فأحياناً علينا التستر مما نعرفه، حفظاً على أرواح الناس أو أعراضهم، أو حتّى حفاظاً عى أنفسنا من شرورٍ ستحدق بنا فيما لو تكلّمنا بما لدينا، ثمّ ينبّه الإمام إلأى أّن هذه الجوارح التي نفكّر ونتكلّم من خلالها عليها رصد من الله، فلا تخرج منه كلمة إلا وتسجّل علينا، وسيحاججنا الله بها، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "لا تقل مالم تعلم، بل لا تقل كلّ ما تعلم، فإنّ الله فرض على جوارحك كلّها فرائض يحتجّ بها عليك يوم القيامة([9])".
دروس للحاكم الذي يريد أن ينهض بشعبه، إذ عليه أولاً بتقوى الله، وإيثار طاعته، واتّباع ما أمر به في كتابه، من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها، وأن ينصر الله سبحانه بقلبه ويده ولسانه، فإنه جل اسمه قد تكفل بنصر من نصره وإعزاز من أعزه. وأمره أن يكسر نفسه من الشهوات ويزَعِها([10]) عند الجمحات([11])، فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله.وعليه أيضاً عمارة أرضها[12]، أي استثمارها، فالحكومة لا تكون ناجحة إلا بمقدار ما تقدّمه للبلاد من بنية تحتيّة ومشاريع تخدم الصّالح العام بالدّرجة الأولى، فعمارة الأرض هو مقياس النّجاح في أي بلد، ويستطيع الشخص البسيط أن يحكم على نجاح حكومة بلد ما من خلال نظافتها، وشوارعها، وجسورها، وأنفاقها، وكهرباءها، ومصانعها، ومدارسها، ومعاهدها... إلخ.
إنّها مدرسة عليّ بن أبي طالب للحياة، فيها من كلّ العلوم، فانهل منها يا طالب العلم، وتنعّم بما خصّ الله أمير المؤمنين من العطايا والدّرر، التي ننثرها لكم سائلين المولى عزّ وجل السداد والتوفيق.


[1] الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج15، ص 202.
[2]  نهج البلاغة، خطب الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، تحقيق: د. صبحيّ الصَّالح: 546.
[3]نهج البلاغة، ج1، رقم 41.
[4]ليقتدي
[5] المجافون المبتعدون عن كلّ ما ينفعهم.
[6] نهج البلاغة، ج2، رقم 164.
[7] نهج البلاغة، ج2، رقم 151.
[8] نهج البلاغة، ج2، ص 223.
[9] نهج البلاغة، ج4، رقم 381.
[10]يردعها.
[11] التمرّد على صاحبها.
[12] عن عهد أمير المؤمنين لمالك الأشتر بتصرف.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى