الإمام علي (ع) هزم السلطة ومغرياتها

2022.02.21 - 08:53
Facebook Share
طباعة

كان عليّ (عليه السلام)، مع كل ما يتحلى به من تقوى وإيمان، ومن عصمة ووثوق بالله تعالى، ومع رصيده الأعظم من العلم الذي نهله من أستاذه الرسول الأكرم (ص)، يطلب من الناس أن يعينوه على مواصلة زهده إذا كانوا هم عاجزين عن ذلك، ويخبرهم بثبات أن دنياهم لن تغرّه، فهو لا يكنز الذهب، ولا يعنيه التبر، ولا يخطر على باله شيء من مغريات السّلطة والدنيا على حد سواء، فالحاكم الذي تعجز السّلطة عن إغرائه سوف تفشل الدنيا في تطويعه لها. فقد قال عليه السلام مخاطباً الدنيا، ياد نيا اتركيني في حال سبيلي، أتعرفينين من أنا حتّى تعترضي طريقي؟ أنا الذي لا يمكن أن يغترّ بك، وهل اشتقتِ لي؟ فأنا لم أشتق، ولا أشتاق ولن أشتاق لك أبداً، فقد طلقتك يا دنيا بلا رجعى، فأنت لا ميزة لك عندي، فعيشك قصير مهما طال، والمصائب فيك بسيطة ومحمولة إذا ما قورنت بمصائب الآخرة، والآمال فيك زائفة، آه من قلّة الزّاد للآخرة، ومن طول الطريق، وعظيم المحاكمة بين يدي الله: "يادنيا إليك عنّي، أبي تعرّضتِ؟ أم إليّ تشوّقتِ؟ لا حان حنينك، هيهات هيهات، غري غيري، لا حاجة لى فيكِ، قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيهم، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير، آه من قلة الزاد، وطول الطريق، وبعد السفر، وعظيم المورد([1])".
 
هل ينظر حكام اليوم، لاسيما من المسلمين، كيف يتصرّف إمامهم مع الدنيا؟ وكيف يزهد بالسلطة وامتيازاتها؟ وكيف يضنّ على نفسه بأقلّ المال وإن كان من حقه؟ فهو المشرف الأعلى على بيت المال، يدخله نظيفا واضحا يده بيضاء، ويوزع الأموال كلها بالتساوي على الذين يستحقونها، ثم يشكر الله تعالى لأنه ساعده على أن يخرج من بيت المال كما دخله، وهو الذي لا يمتلك دراهم قليلة لشراء إزار!
 
ما أبعد الإمام عليّ (عليه السلام) عن أموال الناس، وما أحوطه حين يتعلق الأمر بحقوقهم، وما أبعده عن حياة البذخ حين يبيع سيفه لسد رمقه، ولا يفكر أن يشتري قميصا ثانيا، بل يبقى بقميص واحد لا يجد سواه لارتدائه حين يغسله، أي لا بديل عنده لهذا القميص الوحيد، أليس هذا درسا لساسة وحكام اليوم، الذين يتنافسون فيما بينهم لاقتناء البدْلات الأجنبية (الماركة) بمئات، أو آلاف الدولارات، لكي ترمم نواقصهم النفسية المستعصية.
يقول أمير المؤمنين مخاطباً أهل الكوفة، إنّكم تعلمون أن إمكاكم وحاكمكم، قد اكتفى من دنياه بثوبين، ومن طعامه بقرصي شعير قد لا تشبع طفلاً، وأنا أعرف أنّكم لا تصبرون على التمثّل بي، ولكن أعينوني على أمور الإمارة بورع وتقوى، واجتهاد في العمل، فأنا والله ما اكتنزت من حكمكم ذهبا، ولا خبأت شيئاً عن عيونكم، ولا أطمح حتّى أن أبدّل ثوبي هذا البالي الذي ترونه: "ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه([2]) ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد، فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائهما وفرا ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا([3])".
 
هذا هو الإمام عليّ (عليه السلام)، إنه النموذج للإنسان بمختلف مسؤولياته ومستوياته، كما أنه النّموذج الأعظم للحاكم والمسؤول، الذي يدخل السلطة نظيفا فقيرا أبيض اليد، ويخرج منها مثلما دخلها تماما، هذا هو الحاكم الذي ينتظره المسلمون والبشرية كلها.
 
كم يحتاج المسلمون إلى منهج الإمام عليّ (عليه السلام) وزهده، وطريقته في حكم الناس وإدارة شؤونهم، وحماية حقوقهم وأموالهم، أليس حكام اليوم، لاسيما من المسلمين، مطلوب منهم استلهام سيرة الإمام (عليه السلام)، وشخصيته ومبادئه وزهده، والفوز بالملَكات التي جعلت منه مثالا للحاكم الذي هزم الدنيا والسلطة ومغرياتهما؟


[1]بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٠ - الصفحة ٣٤٥.
[2]ثوبيه.
[3]بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٠ - الصفحة ٣٤٠.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى