معركة الخندق والإمام عليّ عليه السلام

معركة الخندق

2020.09.24 - 06:31
Facebook Share
طباعة

معركة الخندق والإمام عليّ عليه السلام
 
غدر الحلفاء وحشد الأحزاب ضد رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
في مجتمع المدينة، حيث يتجلى العدل بأبهى صوره، ومن الحاكم في مدينة الله؟ إنّه محمد رسول الله، ومن أعدل منه؟ غير أنّ العدل والإنصاف والمساواة لا يعجب من تربّى على الفوقيّة والتمايز الطّبقي، فسادة المدينة الذين أصبحوا يتساوون في الحقوق والواجبات مع مخدوميهم وعبيدهم، بدأوا بالتململ من العدل. كما أنّ الحالة الاقتصاديّة المتردّية بسبب قلّة موارد المسلمين المحاربين من قريش وبقيّة القبائل العربيّة المحيطة بالمدينة باتت أمراً خانقاً لأهل المدينة الذين لم يعتادوا سابقاً على التقشّف، فيثرب من يومها جنّة غنّاء يقصدها الكلّ لشراء غلالها التي تطرح مواسم على الدّوام.
غير أنّ الوضع تبدّل بعدما وصل الإسلام إلى المدينة ودخلها الرسول صلى الله عليه وسلّم، فالمقاطعة الاقتصاديّة آتت أكلها وباتت مدينة الخير تشتكي من نقص الكثير من السلع التي كانت تبادلها مع القبائل المجاورة، وكلّ هذا بسبب حقد قريش على المسلمين من مهاجرين وأنصار تحلّقوا حول رسول الله الذي تمرّد على تقاليد الجاهليّة، وطالب بإنسانيّة الحياة للجميع، ووحدانية الخالق بدلاً من آلهة لا تضرّ ولا تنفع.
هذه الظروف خلقت في المدينة طبقةً من المتضررين من الوضع الجديد، وهم جماعة من المنافقين الذين يبدون إيمانهم أمام النّبيّ وخلّص أصحابه، بينما يضمرون في أنفسهم ألدّ الخصام للدّعوة ورسولها وأهلها.
 وشيئاً فشيئاً ازداد تذمّر هؤلاء من الأوضاع التي وصلت إليها المدينة خاصّة بعدمعركة أحد، فقد أحسّ المسلمون عموماً بالانكسار، الأمر الذي استغلّته طبقة المنافقين، فدأبوا على تخذيل أصحاب النّبي، زاعمين أنّ الله قد تخلّى عنه، واستطاعوا بالفعل استمالة بعض ضعاف النّفوس إليهم، فظهر التململ بين صفوف المسلمين لأوّل مرّة منذ بدء الدعوة الإسلاميّة، وعاش النّبيّ أيّاماً أصعب من أيّامه في مكّة حينما كان اضطهاد قريش على أشدّه.
كبرت الفكرة في صدور المنافقين وعلى رأسهم أحد زعماء المدينة في الجاهليّة، عبد الله بن أبيّ بن سلول، الذي ناله من الوضع الجديد ما ناله، مما حمله على التّواصل في الخفاء مع بني النّضير المحتقنين من إجلاءهم عن المدينة بعد الحادثة المشهورة، ومحاولتهم اغتيال النّبي[1]، واتّفق مع زعيمهم المنفيّ حيي بن أخطب على أنّ الوقت قد حان لاستئصال شأفة المسلمين للأبد، فهم في حالة معنويّة سيئة، وقد استأسدت عليهم القبائل المجاورة ككنانة وبني سليم وغطفان. فأغرى عبد الله بن أبيّ بن سلول حيياً هذا بالذّهاب إلى قريش، لإقناعها بترأس جيش عرمرم يضمّ كلّ هذه القبائل والزّحف على المدينة، لإنهاء أسطورة محمد وابطال هذا السّحر الذي غيّر وجه الحياة في تلك المنطقة، وأقلق أهل الجاهلية.
وبالفعل خرج من بني قريظة سراً وفد مؤلف من عشرين رجلاً من زعماءهم وكبارهم وكبار بني النّضير، وفيهم سلام بن أبي الحقيق، وحُييّ بن أخطب، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس، وأبي عمار[2]. وتوجّهوا إلى مكّة للقاء أبي سفيان الذي رحّب بالفكرة أيّما ترحيب، بعدما عاهدهم حُييّ ومن معه أن يؤلّب بني قريظة على المسلمين لينقضوا عهدهم مع النّبي، ويطبقوا الحصار مع المشركين على المدينة من النّاحية الجنوبيّة الغربيّة، فكان زحف المشركين على المدينة في شهر شوال من العام الخامس من الهجرة.
المسلمون يحفرون الخندق:
لم يكن زحف الأحزاب على المدينة أمراً عاديّاً، إذ لم تشهد الجزيرة العربيّة زحفاً مماثلاً في القوّة والعدد منذ عام الفيل وجيش أبرهة الأشرم. لذلك ضجّت القبائل بهذا الخبر، وتناقلته الرّسل في الأنحاء، ما بين شامت بالنّبي ومصيره المحتوم، وآخر خائف على من بالمدينة.
حينما وصلت الأنباء إلى الرّسول صلى الله عليه وسلّم، بدأ المنافقون في المدينة يخذّلون المسلمين تبعاً للخطّة المرسومة متّخذين من أنفسهم طابوراً خامساً، حتّى نزل قول الله تعالى: "لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا"[3].
استدعى هذا الأمر تحرّكات عاجلة من قبل الرّسول الكريم، فجمع أصحابه وشدّ من عزيمتهم بخطاب ذكّرهم فيه بنصرة الله لهم في بدر حين كانوا أذلّة مستضعفين يتخطّفهم النّاس على الطّرقات المؤديّة إلى المدينة، وكيف أنّهم باتوا الآن قوّة يحسب لها ألف حساب، بحيث اجتمعت العرب عليهم في غزوة لم يسبق لها مثيل. امتاز في ذلك المجلس النوراني أصحاب الهمم من كبار الصّحابة. وأما المنافقين الذين لم يعجبهم البأس الذي أظهره أصحاب الرّسول بين يدي نبيّهم وقائدهم، فقد لعبوا دورهم المرسوم في تضخيم الخطر.  وتبيّن لهم أنّ المسلمين مستميتون في الدّفاع عن الرّسول وعن الدّعوة الإسلاميّة وعن المدينة، فشعروا بالخيبة، إلا أنّ أكثر ما أغاظهم وأحبطهم كان رأي أطلقه سلمان الفارسيّ بين يدي رسول الله في ذاك المجلس، حيث قال رضي الله عنه: "يا رسول الله، كنّا في فارس إذا غُزينا خندقنا علينا"[4]. أعجب النّبي بالفكرة، وكذلك الصحابة، خاصّةً وأنّ المدينة بجبليها الممتدين غرباً وشرقاً، وحصون بني قريظة في الجنوب تشكّل رحماً طبيعيّاً يتحصّن أهل المدينة داخله، فيمنعون المشركين من متابعة الزّحف إليها إذا حفروا الخندق في الجهة الشّمالية منها.
بالفعل باشر النّبيّ وأصحابه بحفر الخندق، وكانت أوّل ضربة معول من الرّسول الكريم بمثابة حجر الأساس لهذا الخطّ الدّفاعي المنيع الذي أمل المسلمون به أن يوقف المشركين خارج المدينة مما يفقدهم ميزة التفوّق العددي.
أنجز المسلمون حفر الخندق في زمنٍ قياسيّ، ورسول الله معهم يحفر كما يحفرون، معطياً أنصع الصّور في التّاريخ لأهليّة القيادة وتحقيق الإنجازات، فالقيادة شراكة وتعاون، لا تميّز واستعباد.
 
 
المشركون يصدمون بالخندق ومنعة المدينة:
وصل جيش المشركين إلى مشارف المدينة في شوال من العام الخامس للهجرة، كانوا يتوقّعون اجتياحاً مباشراً وسهلاً للمدينة، وكانوا يحلمون بقتل الرسول وإنهاء هذه الدّعوة للأبد. غير أنّهم فوجئوا بما هو غير معروف لدى العرب طوال تاريخهم العسكري، فقد حال بينهم وبين اجتياح المدينة بأعدادهم الكبيرة وخيّالتهم المتأهّبة خندق عميق لا تستطيع الخيل القفز من فوقه، ولا تستطيع الرّجالة اجتيازه، خاصّة وأنّ النّبي وضع كتيبةً من أمهر الرّماة تترصّد كلّ من تسوّل له نفسه من المشركين اجتياز هذا المانع العظيم. هاج المشركون وماجوا، وبدأوا يتلاومون فيما بينهم، فمنهم من نقم على بني قريظة، قائلين أنّهم غرروا بهم، وأتوا بهم إلى معركة غير محسوبة، وأنّهم أخفوا عنهم وضع المدينة الحقيقي، وكيف أنّ المسلمين متحصّنون خلف خندقهم المنيع، بينما قوّات المشركين ستبيت في العراء بدلاً من الاجتياح المأمول.
حين وصل بني قريظة غضب جيش الأحزاب من هذا الوضع الذي ساقوهم إليه، سارع زعماؤهم لطمأنتهم بأنّهم على العهد الذي قطعوه لهم، وأنّهم سيطبقون الحصار على المسلمين من الجهة الجنوبيّة فيما إذا بقي المشركون معسكرين على امتداد الجهة الشماليّة للمدينة، خاصّةً وأنّ المدينة لم تكن قد تجهّزت لحصارٍ طويل الأمد، فالمؤن داخل المدينة شحيحة أصلاً، وأنّ المسلمين سيستسلمون في النّهاية بعد أن يستبدّ بهم الجوع والعطش. أعجبت الفكرة قادة الأحزاب، فقرروا أن يضربوا معسكرهم حيث وصلوا مانعين أي امدادات تصل للمدينة من أيّ جهة كانت، بينما تكفلّت قبائل غطفان وبني سليم وكنانة بإمداد جند المشركين بكافّة المؤن اللازمة طيلة فترة الحصار.
المسلمون محاصرون:
أطبق المشركون مع بني قريظة الحصار على المسلمين. فمرّت أيّام ولم يتغيّر شيء على خارطة الأحداث، فلا زال المسلمون يرمون من يتجرّأ على الاقتراب من الخندق بالنّبل، كما أرسل النّبي صلى الله عليه وسلّم كتيبةً من ثلاثمائة فدائي عسكرت قبالة حصون بني قريظة الذين نقضوا عهدهم مع الرّسول، وظاهروا عليه المشركين، فمنعوا عن المدينة الرّفد والمدد، ومنعوا دخول الماء والأقوات إلى المدينة عبر حصونهم المنيعة التي تسدّ مداخل المدينة من الجنوب. كانت الأوامر لهؤلاء الجند أن اكفوا المسلمين أيّ هجومٍ يأتي من خلف خطوط المسلمين المرابطين قبالة الخندق، وناوشوهم إلى أن يأتيكم المدد.
مرّت الأيّأم ثقيلة على النّبي وصحبه، وشحّت الأقوات والمياه، وبدأ المسلمون يتململون بفعل الضخّ الإعلامي لطابور المنافقين فيما بين ظهرانيهم. قال الله تعالى: "إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا* هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا[5]".
اقتحام الخندق:
ذات صباح، وبعدما طالت مدّة الحصار لأسابيع ثلاث دون استسلام معلن من قبل المسلمين، زاد التململ أيضاً في صفوف المشركين، فمسألة الحصار كانت غير مألوفة عند العرب، إذ أنّهم معتادون على الحرب الخاطفة، التي تنتهي خلال ساعات يعود بعدها المحارب إلى أهله وعشيرته غانماً، لكن أن تستمرّ معركة ما لأسابيع فهذا أمر غير مقبول. لذا اقتحم عمر بن ودٍ العامري خيمة أبي سفيان مزمجراً كالأسد، وصاح بوجهه: "ألهذا جئت بنا إلى هذه البيداء؟ وحقّ هبل، لا أبات الليلة في العراء، فإمّا أن أعبر إلى محمد لأقتله أو أعود". لم يستطع أبو سفيان بحنكته أن يثني فارس قريش وصنديدها عن رأيه، ومن يستطيع الوقوف بوجه فارس ياليل[6]؟ فهو الذي تحسبه قريش بألف فارس وحده، وقد ادّخرته لمثل هذا اليوم.
بالفعل فقد أمر عمرو رماة المشركين بإمطار المسلمين بالسّهام والنّبل حتّى يتسنّى له ولمن معه العبور الخندق من نقطة استطلعها سابقاً. إثر إعلان الهجوم من قبل المشركين، فوجئ رماة المسلمين بمئات السّهام ترشقهم، فتراجعوا طالبين الحماية منها، فاستغل عمرو بن ود العامري ذلك ومعه ضرار بن الخطّاب وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب.
اضطرب المسلمون أيّما اضطراب لمجرّد سماعهم بذكر عمرو بن ودّ العامري، فانهزموا من أمامه مذعورين، حتّى وصل إلى ساحة المعسكر وفي وسطها خيمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسط صياح عمرو في المسلمين، وهو يرتجز شعراً:
ولقد بُححت من النداء … بجمعكم هل من مُبارز
ووقفتُ إذ جَبنُ المشجع … وِقفة الرجل المنُاجز
وكذاك أني لم أزل … متســـــــــرعًا قبل الهزاهز
إن الشجاعة في الفتى … والجودَ من خير الغرائز
خرج الرّسول على صياح عمرو، تحيط به كتيبة فتية بني هاشم شاهري سيوفهم فداءً لرسول الله. استرجع الرسول وحوقل من شرّ هذا الفارس الذي فرّق الصّحب من حوله، فتقدّم أسد بني هاشم عليّ بن أبي طالب ليقابله بعد أن كرر عمرو نداءه مستهزئاً بقوّة المسلمين في حضرة الرّسول، مستأذناً النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أنّ يشدّ عليه، بعد أن لم يبارزه أحد. غير أنّ الرّسول حجز علياً عن المبارزة قائلاً: "دع له غيرك"، لكنّ أحداً من المسلمين لم يجرؤ على إجابة نداء عمرو.
حين رأى النّبي تراجع أصحابه عن مبارزة عمر نادى بهم قائلاً: "من لعمروٍ وأنا أضمن له الجنّة". طبعاً، فالمبارز لعمروٍ مقتولٌ لا محالة، لكن الشهداء لهم مقامهم الأكيد في جنّة الخلد. كرر النّبيّ النّداء محاجزاً أمير المؤمنين، مما أغرى بعمروٍ لأن يقترب أكثر من النّبي، وعينا عليّ تقدحان غضباً من هذا المقتحم المغرور. ولمّا لم يجب أحد دعوة الرّسول، أصرّ عليّ على الخروج له قائلاً: "أنا له يا رسول الله"، فأجاب الرّسول: "ولكنّه عمرو يا علي"، فأجاب عليّ بكل جسارة واعتداد بإيمانه وإمكانياته: "وأنا عليّ يا رسول الله". فضمّه الرّسول وأذن له بعدما أعطاه سيفه ذا الفقار، وألبسه درعه الحديد، وعمَّمه بعمامَتِه، وقال: "اللهم هذا أخي وابن عمي، فلا تذرني فرداً وأنتَ خيرُ الوارثين"، ثم قال: "خرج الإيمان كلّه للشرك كلّه"[7]. و"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اللَّهم إنك أخذت مني عبيدة بن الحارث يوم بدر، وحمزة بن عبد المطلب يوم أحد، وهذا عليّ فلا تدعني فرداً وأنت خير الوارثين[8]".
علي في مواجهة عمرو بن ود:
ربّما لا تحصل مثل هذه المواجهة إلا في الأساطير اليونانيّة، أو الشاهنامة. لكنّها حصلت بالفعل يوم الخندق. عمرو بن ود بطل الجاهليّة وفارس ياليل بكل ما يمثلّه من جبروت قريش وتقاليد الجاهليّة عديمة الرّحمة والإنسانيّة، وعليّ بن أبي طالب أسد الله ورسوله، فارس بني هاشم، بما يمثلّه من مثاليات الدّعوة الإسلاميّة وأمل بالمستقبل النوراني الذي يبنيه الرسول لأمّة كانت غارقة في الجهل والوثنيّة. تقابل يومها الظلام والنور، الجهل والعلم، الجبروت والثبات.
وسط ترقّب الجميع تقدّم عليّ عليه السّلام باتّجاه عمروٍ راجلاً، إنّما في مشيته ثقة ويقين بنصر الله، فكأنّما هو الأسد في مشيته، فلّما رأه عمرو هابه، فصاح عمرو: "من أنت"، فردّ عليه الإمام مرتجزاً:
لا تعجلنَّ فقَد أتاكَ.. مُجيبُ صَوتِكَ غير عاجزْ
ذُو نِيّة وبصيرة والصدق ... مُنــجي كلّ فائزْ
إنّي لأرجو أن أُقيمَ... عليكَ نائـــــــحة الجنائزْ
مِن ضَرْبَة نَجلاء يبقى ... ذِكْرها عِندَ الهَزاهِزْ
استغرب عمرو هذه الجرأة من ذاك الشاب، فكرر عليه النّداء: "سألتك من أنت؟". فأجاب الإمام: "أنا عليّ بن أبي طالب". فازداد الاضطراب في صدر فارس قريش حينما علم باسم غريمه، وهو الذي خبر الهاشميين طوال عمره المديد، وكان له صحبة بعبد مناف بن عبد المطّلب والد الإمام ويعلم بأسه، خاصّة أنّ سمعة هذا الشاب المقدام باتت تسبقه بعد بطولاته في بدر وقتله الوليد بن عتبة، وأكثر من ثلث قتلى قريش السبعون في تلك الموقعة كان سيف علي هو جواز سفرهم إلى الجحيم، وكذلك ثباته في أحد واستماتته في الدّفاع عن رسول الله وقتما تركه المسلمون في أرض المعركة وحده، فتصدّى عليّ وحده لكتائب قريش المتعطّشة لدم النبوّة، فكان سيف علي حاجزاً منيعاً ردّ الأذى عن رسول الله وجندل قادة فرسان قريش في سابقة فريدة لم تعرفها بطولات الجزيرة العربيّة.
صاح عمرو، بعدما عرف قوّة غريمه: "ارجع يا فتى.. فليس لي بقتلك حاجة".. فأجابه الإمام حازماً: "أمّا أنا فلي بقتلك حاجة". زمجر عمرو من غضبه، لكنّه قال لعلي بنبرة مترققة: "لقد كان لي بأبيك صحبة، فارجع إلى أهلك". فأجابه الإمام: "إذاً تنزل على حكمي.. ولقد علمت العرب أنّك ما خيّرت بين ثلاثة إلا اخترت واحدة"، فأجاب عمرو: "سمّ ثلاثتك"، فقال علي: "أن تنزل إلى رسول الله وتنطق الشهادتين"، فردّ عمرو متململاً: "أمّأ هذه فلا.. سمّ الثانية"، فقال علي: "أن ترجع من حيث أتيت أنت ومن معك"، عض عمرو على شفتيه من الغيظ وأجاب: "وأمّا هذه فلا". فقال عليّ بثقة: "إذا أنازلك وتنازلني كما طلبت". نظر عمرو إلى أصحابه الذين أبلسوا في أمكنتهم، فلم يُسمع سوى حمحمة الخيل. حينما رأى عمرو أنّه لا بدّ من القتال، ترجّل عن فرسه، وواجه الإمام شاهراً سيفه. كانت لحظات رهيبة مرّت على المسلمين قبل أن يبدأ النّزال. الكلّ خائف من بأس عمرو، وها هو عليّ سيكفيهم هذا الفارس وحده، والرّسول يتمتم بالدّعاء لعلي، والأعناق مشرئبّة تتابع المتبارزين.
بدأ عمرو يلّوح بسيفه بحركاتٍ استعراضيّة ويدور حول الإمام بنصف قوس، والإمام ثابت في مكانه ويراقب عمراً بطرف عينه غير هيّاب لما يفعله. وفي لحظة هوى عمروٌ بسيفه على عليّ فسمعت شهقات المسلمين، غير أنّ عليّ اتّقاها بدرعه، وكال عمراً بضربةٍ برت له ساقه فخرّ كالجمل على الأرض والدّماء تنفر من فخذه. كبّر المسلمون للنّصر ووصلت صيحات تهليلهم إلى معسكر المشركين فأرعبتهم. التفت عليّ إلى بقيّة الفرسان المرافقين لعمروٍ، فرآهم يفرّون عائدين من حيث أتوا.
فقال حسان بن ثابتحين ألقى "عـكرمة" رمحه يومئذ وهو منهزم عـن عـمرو:
فرّ وألقى لنـــــــــــــــــــا رمحه لعـلك عـكرم لم تفعـل
ووليت تعـدو كعـدو الظليــم ما أن يحور عـن المعـدل
ولم تلو ظهــــــــــــــرك مستأنسا كأن قفاك قفا فرعـل
 وقال هُبيرة بن أبي وهب يعتذر من فراره، ويبكي عمروً بن عبد وُدٍّ، ويذكر علًيّا:
لعمري ما وليت ظهري محمدًا … وأصـــــحابه جبناً ولا خيفة القتل
ولكني قلبت أمرًا فلــــــــــم أجد … لسيفي غناء إن ضربت ولا نبل
وقفت فلما لم أجد لـــــــي مُقَدَّمًا … شددتُ كضرغامٍ هزبرٍ أبي شِبْل
ثنى عطفه عن قرنه حين لم تجد … مَكَرًّا، وقِدْمًا كان ذلك من فعلي
فلا تبعدون يا عمرو حًيّا وهالكًا … وحُقَّ بحسن المدح مِثْلكُ من مِثْلِ
ولا تبعدن يا عمرو حًيّا وهالكًا … فقد مُتَّ محمودَ الثنا، ماجد الأصل
فمن لطِرادِ الخيل تقُدعُ بالقنا … وللفـــــــــــخر يومًا عند قرقرة البُزْل
هنالك لو كاـــــن ابنُ عبدٍ لزارها … وفرَّجَــــها حًقّا فتًى غيرَ ما وغْل
فعنك عليـــــــٌّ لا أرى مثلَ موقف … وقفتَ علـــــى نجد المقَدَّم كالفَحْل
فما ظَفِرتَ كَفّــــاك فخرًا بمثله … أمِــــــنْتَ به ما عشت من زَلَةِّ الَنّعل
عاد الإمام لعمروٍ الذي كان يئنّ من ألمه ويبحت الأرض كديكٍ منازع. اقترب عليّ منه يريد أن يريحه بضربة نهائيّة، لكنّه عاد وابتعد عنه، وبدأ يذرع الأرض حول عمروٍ جيئةً وذهاباً، فوقف عمرو مستأنفا المبارزة فوجه ضربة للامام لكن الاخير تفاداها ووجه لعمرو ضربة فأجهز عليه.
رجع الإمام إلى النّبيّ منتشياً بنصر الله، والمسلمون يتصايحون باسمه مهنّئين بطلهم الصنديد على هذا النّصر الإلهي، فاستقبله الرّسول معانقاً، وسأله: "لم تركته يا علي، ثمّ عدت له؟"، فأجاب علي: "يا رسول الله.. عندما اقتربت منه لأجهز عليه تفل في وجهي، فغضبت، فخشيت أن أقتله لغضبي، فتركته وتجوّلت حوله حتّى زال عنّي الغضب، فعدت وقتلته لوجه الله تعالى". كبّر النّبي، وقال: "ضربة عليّ هذه توازي عبادة الثّقلين[9]"، كبّر المسلمون واهتزّت أرجاء المدينة بالهتاف، ووقع الرّعب في معسكر المشركين ومن خلفهم بنو قريظة أيضاً.
المشركون ينهزمون بعد ضربة عليّ:
عاد الفرسان المقتحمون إلى معسكر المشركين مهزومين مرعوبين، فتلقاهم أبو سفيان متسائلاً: "ماذا حدث؟ أين عمروٌ؟". فرووا له ما حدث، وكيف أنّ عليّاً أرداه بضربة واحدة، فانهار أبو سفيان، وانهارت من خلفه عزيمة جيشه العرمرم. وبات المشركون ينسحبون من المعسكر فرقةً إثر فرقةٍ متذرّعين بذرائع واهية. غير أنّ الحقيقة كانت واضحة، فلا نصر من غير عمرو، وأين عمروٌ الآن؟ إنّه جثّة هامدة في معسكر المسلمين.
أخت عمرو بن ود تنعيه وتمدح قاتله:
لمّا نُعي عمرو بن عبد ودّ إلى أُخته[10]، قالت: "من ذا الذي اجترأ عليه؟ فواللاة ليس لأخي ندٌ بين العرب"، فقالوا: ابن أبي طالب، فقالت: "لم يعد موته إن كان على يد كفؤ كريم، لا رقأت دمعتي إن هرقتها عليه، قتل الأبطال وبارز الأقران، وكانت منيته على يد كفؤ كريم من قومه، ما سمعت بأفخر من هذا يا بني عامر، ثمّ أنشأت ترتجز:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله ***** لكـــــــنت أبكي عليه آخر الأبد
لكن قاتل عمرو لا يُـــعاب به ***** مَن كان يُدعى قديماً بيضة البلد
من هاشم ذراها وهي صاعدة ***** إلى السماء تميت الناس بالحسد
قومٌ أبى الله إلّا أن يكون لهم***** كـــــــــرامة الدين والدنيا بلا لدد
يا أُمّ كلثوم ابكيه ولا تدعي ***** بــــــــكاء معولة حري على ولد
 مساء تلك الليلة، والمشركون مرتعدون خوفاً من المسلمين، ومن ذكر فارسهم الصنديد عليّ بن أبي طالب مجندل عمر بن ود، أرسل الله ريحاً صرصراً اقتلعت خيام المشركين وبعثرت قصاعهم، وأضاعت سلاحهم، وشتت ركابهم. فكانت كل جماعة تلوذ هاربة في إثر أختها. فأفاق المسلمون صباح اليوم التّالي ليجدوا معسكر المشركين متروكاً لا أحد فيه، فغنموا منه مغانم كثيرة. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}[11]. وقال جلّ وعلا أيضاً: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}[12].
قال حسّان بن ثابت في تخليد غزوة الخندق:
هل رسمُ دارسةِ المقام يبــــــــــــــاب … مُتــــــــــــكلِّمٌ لمحاورٍ بجواب؟
فدعِ الديارَ وذكِر كَل خـــــــــــريدة … بيضاء آنســــــــــة الحديث كعاب
واشكُ الهمومَ إلى الإله وما ترى … من معشر ظلموا الرسول، غِضاب
ســــــــــاروا بجمعهم إليه وأَلّبوا … أهل القــــــــــرى وبوادي الأعراب
جيـــــــــش عيينة وابنُ حرب فيهمُ … متــــــــــخمطون بحلَبة الأحزاب
حــــــــــتى إذا وردوا المدينة وارتجوا … قتل الرسولَ ومغنم الأسلاب
وغَــــــــــــــــدْوا علينا قادرين بأيديهم … ردوا بغـــيظهم على الأعقاب
بهـــــــــــــــــبوبِ مُعْصفةٍ تفرِّق جمعهم … وجنـــودُ ربك سـيد الأرباب
وكفى الإلـــــــــــــــه المؤمنين قتالهم … وأثابـــهم في الأجــر خير ثواب
مـــــــــن بعد ما قـــنطوا ففرق جمعهم … تنزيلُ نصر ملــــــيكنا الوهاب
وأقـــــــــــــــرَّ عين محمد وصحابه … وأذل كـــــــــــــــــل مكذب مرتاب
 
ايات قرانية في معركة الخندق وتفسيرها:
 
33-سورة الأحزاب 9-15
          
﴿9﴾يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا.
وتفسيرها:
-          يا معشر المؤمنين اذكروا نعمة الله تعالى التي أنعمها عليكم في المدينة أيام غزوة الأحزاب -وهي غزوة الخندق-، حين اجتمع عليكم المشركون من خارج المدينة ، واليهود والمنافقون من المدينة وما حولها، فأحاطوا بكم، فأرسلنا على الأحزاب ريحًا شديدة اقتلعت خيامهم ورمت قدورهم، وأرسلنا ملائكة من السماء لم تروها، فوقع الرعب في قلوبهم. وكان الله بما تعملون بصيرًا، لا يخفى عليه من ذلك شيء.
          
﴿10﴾إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا.
تفسيرها:
-          اذكروا إذ جاؤوكم مِن فوقكم من أعلى الوادي من جهة المشرق، ومن أسفل منكم من بطن الوادي من جهة المغرب، وإذ شخصت الأبصار من شدة الحَيْرة والدهشة، وبلغت القلوب الحناجر من شدة الرعب، وغلب اليأس المنافقين، وكثرت الأقاويل، وتظنون بالله الظنون السيئة أنه لا ينصر دينه، ولا يعلي كلمته.
-           
          
﴿11﴾هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا
-          في ذلك الموقف العصيب اختُبر إيمان المؤمنين ومُحِّص القوم، وعُرف المؤمن من المنافق، واضطربوا اضطرابًا شديدًا بالخوف والقلق؛ ليتبين إيمانهم ويزيد يقينهم.
          
﴿12﴾وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا.
تفسيرها:
وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم شك، وهم ضعفاء الإيمان: ما وعدنا الله ورسوله من النصر والتمكين إلا باطلا من القول وغرورًا، فلا تصدقوه.
          
﴿13﴾وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا.
وتفسيرها:
-         واذكر -أيها النبي- قول طائفة من المنافقين منادين المؤمنين من أهل المدينة : يا أهل يثرب (وهو الاسم القديم للمدينة ) لا إقامة لكم في معركة خاسرة، فارجعوا إلى منازلكم داخل المدينة ، ويستأذن فريق آخر من المنافقين الرسول صلى الله عليه وسلم بالعودة إلى منازلهم بحجة أنها غير محصنة، فيخشون عليها، والحق أنها ليست كذلك، وما قصدوا بذلك إلا الفرار من القتال.
          
﴿14﴾وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا.
 
-          ولو دخل جيش الأحزاب المدينة من جوانبها، ثم سئل هؤلاء المنافقون الشرك بالله والرجوع عن الإسلام، لأجابوا إلى ذلك مبادرين، وما تأخروا عن الشرك إلا يسيرًا.
          
﴿15﴾وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ۚ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا
وتفسيرها:
-          ولقد كان هؤلاء المنافقون عاهدوا الله على يد رسوله من قبل غزوة الخندق، لا يفرُّون إن شهدوا الحرب، ولا يتأخرون إذا دعوا إلى الجهاد، ولكنهم خانوا عهدهم، وسيحاسبهم الله على ذلك، ويسألهم عن ذلك العهد، وكان عهد الله مسؤولا عنه، محاسَبًا عليه.
-           
سورة الأحزاب 18
          
﴿18﴾۞ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا.
 
إن الله يعلم المثبطين عن الجهاد في سبيل الله، والقائلين لإخوانهم: تعالوا وانضموا إلينا، واتركوا محمدًا، فلا تشهدوا معه قتالا؛ فإنا نخاف عليكم الهلاك بهلاكه، وهم مع تخذيلهم هذا لا يأتون القتال إلا نادرًا؛ رياء وسمعة وخوف الفضيحة.
 
 
 
سورة الأحزاب 20
          
﴿20﴾يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ۖ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ۖ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا.
 
تفسيرها:
-          يظن المنافقون أن الأحزاب الذين هزمهم الله تعالى شر هزيمة لم يذهبوا؛ ذلك من شدة الخوف والجبن، ولو عاد الأحزاب إلى المدينة لتمنَّى أولئك المنافقون أنهم كانوا غائبين عن المدينة بين أعراب البادية، يستخبرون عن أخباركم ويسألون عن أنبائكم، ولو كانوا فيكم ما قاتلوا معكم إلا قليلا لكثرة جبنهم وذلتهم وضعف يقينهم.
 
سورة الأحزاب 22-23
          
﴿22﴾وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا
تفسيرها:
-          ولمَّا شاهد المؤمنون الأحزاب الذين تحزَّبوا حول المدينة وأحاطوا بها، تذكروا أن موعد النصر قد قرب، فقالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله، من الابتلاء والمحنة والنصر، فأنجز الله وعده، وصدق رسوله فيما بشَّر به، وما زادهم النظر إلى الأحزاب إلا إيمانًا بالله وتسليمًا لقضائه وانقيادًا لأمره.
          
﴿23﴾مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا
تفسيرها:
-          من المؤمنين رجال أوفوا بعهودهم مع الله تعالى، وصبروا على البأساء والضراء وحين البأس: فمنهم من وَفَّى بنذره، فاستشهد في سبيل الله، أو مات على الصدق والوفاء، ومنهم مَن ينتظر إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، وما غيَّروا عهد الله، ولا نقضوه ولا بدَّلوه، كما غيَّر المنافقون.
 
سورة الأحزاب 25
          
﴿25﴾وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا.
 
تفسيرها:
وردَّ الله أحزاب الكفر عن المدينة خائبين خاسرين مغتاظين، لم ينالوا خيرًا في الدنيا ولا في الآخرة، وكفى الله المؤمنين القتال بما أيدهم به من الأسباب. وكان الله قويًا لا يُغالَب ولا يُقْهَر، عزيزًا في ملكه وسلطانه.
 


[1] سيرة ابن هشام، ج2، ص 190.
[2] المرجع السّابق.
[3] سورة الأحزاب، الآية 60.
[4] فتح الباري ج7، ص 393.
[5] الأحزاب، الآية 10.
[6] يقول المؤرّخون أن عمرواً بن ود العامري ثبت لعشرة فرسان باغتوه بليل فقتلهم عن آخرهم. 
[7] الكامل في التاريخ للابن الأثير، وكذلك الطبري، وابن سعد، أصحاب السير جميعهم اجتمعوا على الرواية مع بعض الاختلافات، وابن شهراشوب مناقب آل أبي طالب، ومستدرك الصحيحين، وشرح ابن أبي الحديد المعتزلي.
[8] السيرة النبويَّة لابن هشام، والكامل في التاريخ، والسيرة الحلبية.
 
[9] ابن شهرآشوب، المناقب، ج 1، ص 381.
[10] عمرة بنت عبد ود، وكنيتها أُمّ كلثوم.
[11] الأحزاب، الآية 9.
[12] الأحزاب، الآية 25.
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى