بحور نهج البلاغة في كلام إمام المتقين علي بن أبي طالب "عليه السلام" - الفصل الأوَّل

2024.03.20 - 09:23
Facebook Share
طباعة

  

الفصل الأوَّل
من تفسير نهج البلاغة
(معرفة الله عزّ وجل في كلام أمير المؤمنين)
 
          إنَّ معرفة الله "عزَّ وجلَّ" وتلقي خطاباته لا تتاح للإنسان الاعتيادي إلا بوجود واسطة بينه تعالى وبين عباده، ولذلك جاء الرسل مبشرين لمن يطيع الله تعالى ومنذرين لمن يعصيه ويتجاوز أوامره، فكان واجب الرسل تعريف العباد بخالقهم من أجل أن يأدوا حقَّه عليهم ويشكروا نعمته بعد أن أوجدهم من العدم، وتستمر هذه الحركة التعريفية بعد الأنبياء بواسطة أوصيائهم فيسيروا على هديهم في إرشاد الناس إلى ربِّهم.
 
ومن جملة الأوصياء الإمام علي بن أبي طالب "عليه السَّلام" الذي أخذ على عاتقه نشر المعارف الإلهية بين الناس ليكونوا عارفين بربِّهم طائعين له, ويبيِّن الإمام علي عليه السلام طريق معرفة الله بتعبير جميل واضح فيقول:
 
"لم يطلع العقول على تحديد صفته، ولم يحجبها عن واجب معرفته"[1],
 
ومعنى كلامه عليه سلام الله   أن الأهم  من الايمان العقلي هو الجزاء المعنوي الذي يتجسد في أنواء المعرفة الإلهية, والقرب الروحي من الخالق, وتجليِّات جماله وجلاله تعالى، حيث يهب الله المؤمنين لذَّة ما بعدها لذَّة ممَّا لا يمكن وصفه بلسان أو بيان من خلال القرب من الله تعالى في كل تفاصيل حياتنا.
 ففي حديث للإمام عليه السلام قال:
"يقول الله تبارك وتعالى: رضاي عنكم ومحبتي لكم خير وأعظم مما انتم فيه"[2]
 
, وفيما يلي نستعرض بعض كلمات أمير المؤمنين  التي تتطابق وهذا المعنى:
 
يقول "عليه السلام" من خطبه الغراء في نهج البلاغة، وهي على إيجازها فإنّها أروع ما يبيّن حقيقة التوحيد، ويعطي صورة عامة عن ملامح المعرفة بالله تعالى عند آل محمد "عليهم السلام", ومن جملة ما قال في هذا الصدد:
 
 
اعرفوا الله بالله، والرسول بالرسالة، وأُولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان[3].
 
ومعنى قوله عليه السلام:
 
          فمعرفة الله "عزَّ وجلَّ" لها دور كبير في إخضاع القلب له سبحانه، من ذل وانكسار وخشية وافتقار، وكذلك رؤية النفس على حقيقتها ومدى ضعفها وعجزها وحاجتها إلى مولاها, فنحن نحتاج لمعرفة الله "عزَّ وجلَّ" لتزداد خشيتنا له، وخوفنا منه، وتوكلنا عليه وغير ذلك من ألوان العبودية, وعلى قدر التفكر في كلام أمير المؤمنين "عليه السلام" تزداد المعرفة بالله تعالى[4], ووروي عن أمير المؤمنين "عليه السلام", حين أتاه نجدة يسأله عن معرفة الله، قال:
 
 يا أمير المؤمنين بماذا عرفت ربّك؟ قال "عليه السلام":
 
 
 بالتمييز الذي خوّلني، والعقل الذي دلّني،
 
قال: أفمجبول أنت عليه؟
 
 قال: لو كنت مجبولا ما كنت محموداً على إحسان ولا مذموماً على إساءة، وكان المحسن أولى باللائمة من المسيء، فعلمت أنّ الله قائم باق وما دونه حدث حائل زائل، وليس القديم الباقي كالحدث الزائل،
 
قال نجدة: أجدك أصبحت حكيماً يا أمير المؤمنين،
 
 قال: أصبحت مخيّراً فإن أتيت السيئة بمكان الحسنة فأنا المعاقب عليها[5].
 
 
          ويؤكِّد كلام الامام عليه السلام المجموع في كتاب  نهج البلاغة على بعض صفات الله أكثر من تأكيده على غيرها، وذلك لأنّها تمثِّل الصفات الأصليَّة من جهة، ومن جهة أخرى تعدّ من أمَّهات أسماء الحقّ التي تنبع منها الصفات الأخرى, ويقول"عليه السلام" عن نفسه في هذا المجال:
 
 
 
 
 «وَإِنَّا لاَمَرَاءُ الْكَلاَمِ، وَفِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ، وَعَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ غُصوُنُهُ»[6],
 
 أي إنّا أمراء الكلام، وأنَّ الكلام البليغ والحسن هو طوع أمرنا، لأنا حكّام عليه وهو مأمور لنا ونحن اُمراؤه، كما أن جذور الكلام والأفكار الصحيحة انطلقت منّا وتعلّقت بنا، أمّا أغصان شجرة الكلام فمتدلية علينا، إن جذور الأفكار والعلوم التي هي أصل الكلام نشأت فينا، بل إن شكل الكلام والعبارات التي هي غصون الحديث وثماره متهدلة علينا.
 
ويقول أيضا:
 
 «وَفِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ، وَعَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ غُصوُنُهُ»,
 
كما أنَّه قال طبقاً عليه السلام": «أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ»
 
اي معرفة الله تعالىى على عدم التناهي وعلى الإطلاق الذاتي للحقّ تعالى أكثر من أي صفة من الأوصاف الذاتية لله، وذلك للتدليل على أزليته سبحانه وعلى أبديته وعدم محدوديته,
 
و من خطب أمير المؤمنين "عليه السلام:
 
«كُلُّ شَيْء خَاضِعٌ لَهُ، وَكُلُّ شَيْء قَائِمٌ بِهِ، غِنى كُلِّ فَقِير، وَعِزُّ كُلِّ ذَلِيل، وَقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيف»"2"[7],
 
وهنا يُقدم لنا الإمامُ علي "عليه السلام" كنزاً من العلوم والمعرفة المتحصلة من علمهِ اللدُني، وقد اغترف من هذا الكنز جهابذةُ العلماء والفلاسفة والمفكرين، وتُعدُ خطبة التوحيد في أول الكتاب من ابلغ الخطب التي تشتمل على معاني التوحيد وبيان مراتبه وأحواله وشروطهِ، إذ يتدرجُ الإمام علي في بيان مرتبة معرفة الله من الأدنى إلى الأعلى كلّ بحسب سلوكه الباطني ومقدار سعيه وطاقته,  يقول "عليه السلام" في هذه الخطبة
 
-          "أولُ الدينِ معرفتُهُ"
وهذه هي المرتبة الأولى المتحصلة فطرياً وتُسمى عند أهل الاصطلاح "العلم البسيط" الذي لا جدال فيه لأنهُ فطري حضوري في مقابل العلم المركبّ الذي يُسمى "العلم الحصولي" المُتَحَصلُّ بالكسب، فمعرفةُ أنَّ للعالمِ إلهاً معرفةً مشتركة بين البشر سواءً كانوا موحدين أم وثنيين، إلا إذا صار على هذه الفطرة شائبة فهذا موضوع آخر[8].
          ومن منظار أمير المؤمنين "عليه السلام", أنَّ نظام العالم قائم على العلّة والمعلول، فهو يقول "عليه السلام":
 
«كُلُّ قَائِم فِي سِوَاهُ مَعْلُولٌ»
 
 أي أن كلّ موجود غير الله هو موجود معلول, وأن الله هو العلَّة وكافة الموجودات الأخرى موجودات معلولة، فهو الخالق وغيره مخلوق.
 
          إذن كلّ موجود إنّما يكتسب حقيقته من الله سبحانه وبهذا يتّضح الجواب على السؤال الّذي يستفهم عن سبب وجود الله تعالى أن ضرورة وجوده سبحانه تكمن في عدم قيام الموجودات بذاتها، وعدم كون وجودها عين ذاتها، وأنّها محتاجة إلى موجود يكون وجوده عين ذاته، وإذا كانت لها قدرة فإن قدرتها بالضرورة متقوِّمة بالله تعالى، وكذا عزّتها، فعزّتها وقدرتها ليست عين وجودها ولا عين ذاتها، إذ أن عزتها وقدرتها كوجودها وكذاتها، وكلّ شيء لا يكون وجوده ولا صفاته الوجودية ذاتية سيكون احتياجه لغير يكون وجوده عين ذاته، وهذا دليل على وجود الله سبحانه، إذ أن وجود غير الله لا يكون عين ذاته، وكلّ ما لا يكون وجوده عين ذاته يكون محتاجاً إلى مبدأ يكون عين الوجود ويكون الوجود ذاته، وبناءً على هذا فإن الموجودات الاُخرى محتاجة إلى مبدأ يكون وجوده عين ذاته وذلك المبدأ هو الله.
اتضح ممّا سبق أصل وجود الله ولا داعي للإسهاب فيه أكثر لوضوح الأدلة السابقة ولوضوح البحث إلى حد ما, وبالتالي فأمير المؤمنين "عليه السلام" فإنّه يرى أن الله ليس بخاضع للحركة ولا للزمن، ولا تتعرض ذات الواجب للتغير ولا للتبدل، يقول "عليه السلام": «أَنْتَ الاَْبَدُ فَلاَ أَمَدَ لَكَ»[9]، أي أن الله موجود أبدي لا يقبل الأمد ولا المدة، وأن كلّ موجود مادي ينتابه التغيّر والزوال هو موجود ذو أمد ومدة، ذلك لأنّه يبلغ حداً ما ثمّ يتخلّى عن ذلك الحدّ، إنّه ذو أمد وزمن من سواء تمكّنا من إحصائه أم لم نتمكن، أمّا كون الله أبدياً فهو لعدم قبوله الأمد والزمن, ويقول الإمام عليّ "عليه السلام", في عدم خضوع الله للزمان والمكان وللتغير: «لاَ يَشْغَلُهُ شَأْنٌ، وَلاَ يُغَيِّرُهُ زَمَانٌ، وَلاَ يَحْوِيهِ مَكَانٌ»[10], أي لا شيء يستوعبه ويشغله أو يحجزه عن غيره، لأنّه إذا ما أراد فعل شيء فإنّه لا يكون عاجزاً عن فعل شيء آخر وذلك لعدم تناهيه، وسنتطرق ـ فيما بعد ـ إلى هذا الموضوع.
          وبالتالي فإنّ الزمان الّذي هو عبارة عن مقدار الحركة، وإنَّ الحركة هذه هي عبارة عن جريان ومرور المادة, وعبارة عن تغيّرها التدريجي، هذا الزمان لا سبيل له إلى الواجب، لأنّه مجرد، فهو ليس بمادي كي يقبل الزمان والحركة «وَلاَ يُغَيِّرُهُ زَمَانٌ» إنّه لا حكومة للزمان عليه، أمّا الحركة فإنّها تقوم بالزمان، ولكونه يمثل مقداراً للحركة فإنّها ذات حكومة ونفوذ على المادة، إنّ الشيء الّذي له جهة ويتحرك نحو هدفه من خلال المرور من قناة ما هو إلاّ موجود مادي ومتحرك, وسترافق هذه الحركة مدة ووقت نطلق عليها اسم الزمان، إذ لو لم يكن هناك زمان لا تكون هناك حركة، وإذا انعدمت الحركة فإنّه سوف لن تكون هناك مادة، ولهذا قال"عليه السلام": «وَلاَ يُغَيِّرُهُ زَمَانٌ» أي لا يتغير بالزمان ولا سبيل للتغيّر الزماني إليه، إذن لا سبيل للحركة ولا للمادة إليه سبحانه «وَلاَ يُغَيِّرُهُ زَمَانٌ» ، ومن هنا أي من كونه سبحانه ليس بمادي فإنّه لا يحويه مكان أيضاً قال"عليه السلام": «وَلاَ يَحْوِيهِ مَكَانٌ», وبالتالي فإنّ هذا يؤكد بنحو واضح بأن الله سبحانه مجرّد, وذلك لتنزهه عن الزمان والمكان والتغيّر، فالشيء المجرد هو الشيء الّذي لا يخضع لسيطرة ولنفوذ التغيّر والزمان والمكان, وبهذا ننتهي إلى أن كلّ مادي هو متحرّك ومتغيّر وزماني، أي أن لكلّ موجود مادي حركة وتغيّر وزمان ومكان. ونقيضه هو أن كلّ ما ليست له حركة وتغير ومكان ليس بمادي وأنّه مجرّد, ويقول أمير المؤمنين "عليه السلام" في كون الله سبحانه منزهاً عن الزمان: «وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ وَقْتٌ وَلاَ زَمَانٌ، ولَمْ يَتَعَاوَرْهُ زِيَادَةٌ وَلاَ نُقْصَانٌ»[11], أي أن الله غير مسبوق بوقت أو زمان، ولو كان سبحانه موجوداً مادياً لكان له وقت وزمان ولكان مسبوق بهما، إذ أن كلّ موجود مادي هو حادث مادي وزماني، ويعتريه الزيادة والنقصان، كما أنّه يفقد شيئاً ويحصل على شيء آخر، يفقد صفة، ويحصل على كمال ما، بل أنّه تطاله الزيادة والنقصان، وكذا الوقت والزمان, أمّا إذا كان هناك موجود منزّه عن الوقت والزمان وعن الزيادة والنقصان، فإنّه سوف لن يكون مادياً، بل سيكون مجرداً لأن كلّ مادي له وقت وزمان وعليه زيادة ونقصان, ونقيض الموجود المادي، الموجود الّذي لا وقت له ولا زمان ولا زيادة ولا نقصان ولا مادة، فهو موجود غير مادي، وإذا كان كذلك كان مجرداً، يقول أمير المؤمنين "عليه السلام" في وصفه لله بأنّه غير مجرد وغير متغير: «الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ تَسْبِقْ لَهُ حَالٌ حالا، فَيَكُونَ أَوَّلا قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِراً، وَيَكُونَ ظَاهِراً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِناً»[12] أي لو كان الله موجوداً مادياً لبرزت حالاته في إطار المادة حالة بعد حالة، ولتقدمت كلّ صفة من صفاته الواحدة على الاُخرى، فمثلا لو كان أوّلا لم يكن آخراً، ولو كان آخراً لم يكن أوّلا، ولو كان ظاهراً لم يكن باطناً، ولو كان باطناً لم يكن ظاهراً, وهذه هي الأسماء الأربعة التي تعدّ من أمهات الحقّ تعالى: "هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن"[13] أي أن الله أوّل وآخر وظاهر وباطن، أمّا الموجود المادي فإنّه لو كان أوّلا لم يكن آخراً لكنه بطروء التغير عليه يكون كذلك، ولو كان ظاهراً لم يكن باطناً، لكنه يكون بالتغيّر كذلك، وبالعكس، أمّا الله فله هذه الأسماء جميعاً من غير تحوّل أو تبدل، فأوله غير آخره، وكونه ظاهراً عين كونه باطناً، ذلك لأنّه وجود محض, أمّا ظهوره فلكونه محيطاً محضاً، أمّا كونه باطناً فلشدة النورانية التي لا تسمح باكتناهه وبإدراكه بنحو كامل، إذن فكونه باطناً هو عين كونه ظاهراً, كما أنّ كونه أوّلا هو عين كونه آخراً، لأنّه كمال محض ومبدأ لكلّ الكمالات، وأن كافة الكمالات تتحرك وتسير نحوه، إذن فهو أوّل وهو آخر, أمّا إذا كان الله موجوداً مادياً فإن هذه الصفات والأسماء سوف لن تكون منها عين الاُخرى, هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإننا إذا أردنا إثبات الله بالاعتماد على الأصول والأسس الديالكتيكية فإنّ هذه الأصول ستدور في فلك الحركة العامة للعالم، أي أنّه لا يوجد موجود في العالم لا يخضع للحركة، أمّا إذا أردنا إثبات وجود الله من خلال الاعتماد على المنطق الرياضي ـ الّذي يعد تفسيراً كمياً للعالم الخارجي ـ فإن ذلك سوف لن ينتهي بنا إلى نتيجة صحيحة، لأن الشيء الّذي لا كمية له ولا بداية ولا نهاية، ولا ظاهر له بمعزل عن الباطن ولا أوّل له مخالف للآخر، لا يقبل الكمّية, وبناءً على هذا لا يمكن إثباته ولا معرفته بالتفسير الكمّي، ولا بالتفسير الديالكتيكي الّذي يعتمد على الحركة العامة.
          وبالتالي اعتمد نهج البلاغة على أصل التجرّد كثيراً في أن الله تعالى منزّه عن التغيّر والحركة، فهو سبحانه ليس فقط لا حركة مادية له ولا مكانية ولا كيفية ولا فكرية ـ أي ليس هو كالإنسان يفكر ثمّ يعمل، ويفكر ثمّ يتحرك ـ بل حتى علمه بسيط وعين ذاته, أمّا في مقام الصفات الفعلية فإن صفة فعله التي هي علم فعلي وإرادة فعلية تنتزع من أصل الفعل لا من أصل الذات، لهذا نفى أمير المؤمنين "عليه السلام" مسألة الفكر أيضاً وأكد على أن الله خلق العالم بلا أعمال نظر أو فكر أو تأمل، يقول "عليه السلام": «الْحَمْدُ للهِ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَة، الْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّة»[14]، إنّه لابدّ من معرفة الله ولكن لا بالعين، ولابدّ من درك أن الله خالق بلا أعمال للفكر وبلا ترو أو تفكّر، إذ التفكّر ما هو إلاّ حركة فكرية، والإنسان المتروي هو أهل رؤية وإعمال للنظر في أفكاره ليختار ويقدم, أمّا الله فعلمه قبل المعلوم ، وهو الباعث لظهور المعلوم مع كافة مبادئه, إذن لا وجود للتروي ـ الّذي هو شكل من أشكال التفكير، والتفكير هو حركة الفكر ـ في الله, إذن فالله ليس منزهاً عن الحركات الظاهرية وعن الكمية والكيفية والمادية ، بل ومنزهاً عن الحركات الفكرية أيضاً, ويقول عليّ "عليه السلام": «الَّذِي لَمْ يَزَلْ قَائِماً دَائِماً»[15], وهذه المسألة هي من مسائل الأزلية والإطلاق الذاتي حيث سنشير إليها فيما بعد، أمّا الآن فسنبحث في تجرّد الله وفي كونه منزّهاً عن تأثير قوانين الحركة, ويقول الإمام عليّ "عليه السلام" في ذلك: «الْحَمْدُ للهِ الاَْوَّلِ فَلاَ شَيْءَ قَبْلَهُ، وَالآخِرِ فَلاَ شَيْءَ بَعْدَهُ، وَالظَّاهِرِ فَلاَ شَيْءَ فَوْقَهُ، وَالْبَاطِنِ فَلاَ شيَ دُونَهُ»[16], أي أن أولية الله أولية ليست نسبية وأنّه أوّل محض، فلا شيء قبله، كما أن آخرته هي الاُخرى ليست نسبية لكي يوجد بعده شيء، فلا شيء بعده، وهكذا ظاهره، فهو ظاهر غير نسبي، لذا لا يكون غير الباطن، وباطنه أيضاً ليس نسبياً فلا يكون غير الظاهر، وهذا الأمر وإن كان متعلقاً بالإطلاق الذاتي وبعدم التناهي إلاّ أنّه يثبت التجرد أيضاً بنحو أولي ويقيني، وهناك شواهد أخرى أيضاً سنتعرض لها عند بحث المرحلة الثالثة والرابعة.
          وبالتالي إن ما يتمخّض عما سبق هو أن الله منزّه عن أي تغير وعن أية حركة وزمان وأمد وتحوّل فهو مجرد، أمّا في مجال كونه سبحانه بسيطاً ولا جزء له فيقول "عليه السلام": «وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ: الاَْوَّلُ لاَ شَيْءَ قَبْلَهُ، وَالآخِرُ لاَ غَايَةَ لَهُ، لاَ تَقَعُ الاَْوْهَامُ لَهُ عَلى صِفَة، وَلاَ تُعْقَدُ الْقُلُوبُ مِنْهُ عَلَى كَيْفِيَّة، وَلاَ تَنَالُهُ التَّجْزِئَةُ وَالتَّبْعِيضُ، وَلاَ تُحِيطُ بِهِ الاَْبْصَارُ وَالْقُلُوبُ»[17].
          لقد أكد أمير المؤمنين "عليه السلام" عند بحث المرحلة الثالثة المتعلقة بالبساطة على أن الله بسيط لا جزء له ولا بعض، وأنّه غير قابل للتجزئة، ولا يمكن فرض البعض عليه ذلك لأن الجزء والبعض إمّا في الكميات أي في المتكمم الّذي يمكن أن نقسّمه إلى نصف وثلث وربع كأجزاء وأبعاض له، أو إنّا نجد التركيب في الشيء المركّب من المادة والصورة فتجزئه إلى مادة وصورة، أو في الشيء الّذي لا مادة ولا صورة، أو في الشيء لا مادة ولا صورة له فنجزئه في الذهن إلى مشترك ومختص وإلى جنس وفصل وأمثال ذلك، وهذه ثلاثة أنواع, أو أنّه وإن كان لا يقبل المشترك وللمختص فإنّه في الأقل مركب من الوجود والماهية، أي أن وجوده ليس عين ذاته، وهذا أيضاً هو نوع من التجزئة والتبعيض حيث يعتبر المرحلة الرابعة من مراحلها، أو أنّه إذا لم يكن مركباً من الوجود والماهية فإنّه يكون مركباً من الوجدان والفقدان أي أن يكون ذا مرحلة واحدة وفاقداً للمراحل التي تليها، وهذا التركيب من الوجود والعدم، من الوجدان والفقدان هو أدنى أنحاء التركيب، وبهذا تكون قد تمت الأقسام الخمسة للتجزئة والتبعيض، فالمركب إما مركّب كمّي مركب من النصف والثلث، أو مركب من المادة والصورة كالمركبات الخارجية، أو مركب من الجنس والفصل كالمركبات الذهنية، أو مركب من الوجود والماهية كما في البسائط المجردة، أو كالمركب من الوجدان والفقدان كما في الوجوديات المجردة وهنا ليس المعنى بالموجودات المجردة الموجود المجرد المركب من الماهية والوجود، بل المقصود مستوى درجة الوجود, إن هذه المراحل الخمس تنطوي جميعها على الكمية، أمّا الله فلا مادة له ولا صورة، ولا جنس له ولا فصل، ولا وجود له ولا ماهية كما أن وجود غير محدود «لاَ تَنَالُهُ التَّجْزِئَةُ وَالتَّبْعِيضُ», وبناءً على هذا لا يمكن للعين مشاهدته، ولا للقلوب الإحاطة به: «وَلاَ تُحِيطُ بِهِ الاَْبْصَارُ وَالْقُلُوبُ» وبهذا تكون قد اتضحت بساطته.
          أمّا إثبات وجود موجود بسيط هو فوق التجرّد فبأي الأصول والأسس يمكن أن نستعين على إثباته؟ أثبته بالمنطق الرياضي الّذي يفسّر العالم تفسيراً كمياً؟ أم نثبته بأصول الديالكتيك التي تعتمد على الحركة العامة وتنفي الموجود غير المادي؟ إنّه لا يمكن إثباته بذلك لأن الله وطبقاً لما يراه أمير المؤمنين "عليه السلام" بسيط محض، ولا سبيل للتجزئة والتبعيض إليه بأي نحو من الأنحاء، ولو وجدت مرحلة من المراحل الخمس ـ الآنفة الذكر ـ طريقاً وسبيلا إليه لما كانت العبارة التالية صادقة بنحو مطلق: «لاَ تَنَالُهُ التَّجْزِئَةُ وَالتَّبْعِيضُ» ومن كونه سبحانه لا جزء له مطلقاً ولا بعض ولا تركيب ولا سبيل للتجزئة إليه فإنّه يكون بسيطاً محضاً، وإذا كان كذلك فإن المرحلة الرابعة والصفة الرابعة ـ الآنفة الذكر ـ والتي هي عبارة عن الإطلاق الذاتي وعدم التناهي ستكون واضحة وجلية بنحو أدق، وهذه الصفة هي نفسها أزلية الله تعالى، وأنّه تعالى حاد كلّ محدود، وأن كلّ ما سواه محدود، وأنّه سبحانه حاد له من غير أن يقبل الحد، وقد تناولنا هذه المسألة أيضاً في الدرس السابق وذكرنا عبارة الإمام"عليه السلام" في هذا المجال وهو قوله: «الاَْوَّلُ لاَ شَيْءَ قَبْلَهُ، وَالآخِرُ لاَ غَايَةَ لَهُ» أي أن الشيء الّذي لا نهاية له إذا لم يكن محدوداً ولم يكن أزلياً محضاً وليس له إطلاق ذاتي فسيكون له حد وما وراءه هو غايته ونهايته، أي سيكون له آخر.
          ما دامت الأسماء الحسنى لله والصفات الذاتية له, فإن ذات الله ذات مطلقة وغير محدودة وأنّها وجود محض لا سبيل لأي أحد إليها، يقول الإمام عليّ "عليه السلام": «أَنْتَ الاَْبَدُ فَلاَ أَمَدَ لَكَ»[18], أي أنّك أبدي الوجود وأّك لا تقبل الأمد، «لَمْ يَزَلْ قَائِماً دَائِماً» فهو سبحانه أزلي أبدي، وأنّه لم يزل قائماً، وأن الموجودات الاُخرى قائمة به، وأنّه لم يزل دائماً، وأن استمرارية الموجودات به, إن هذه الأسماء هي من أمهات أسماء الله التي تنطلق منها سائر الصفات، فمسألة الخالقية والرازقية تنطلق من القدرة، ومسألة كونه خبيراً بصيراً تنطلق من كونه عالماً، كما أن مسألة الإحاطة بالأفراد تنبع من إحاطته المطلقة, إذن فلا حدّ لله من هذه الجهة وأنّه "عليه السلام" يكرّر القول في كون الله غير متناه، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنّه سبحانه لمّا كان لا يقبل الحدّ فإن أزليته حالت أمام نعته سبحانه بمنذ أو بحد أو بمتى أو بأمثال ذلك, وبناءً على عدم تناهيه سبحانه وإطلاق ذاته يقول "عليه السلام" في خطبة الأشباح المعروفة ـ والتي تعد من خطبه الجليلة ـ : «الأَوَّلُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلٌ فَيَكُونَ شَيءٌ قَبْلَهُ، وَالآخِرُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ بَعْدٌ فَيَكُونَ شَيْءٌ بَعْدَهُ»[19], ثمّ يردف حديثه هذا بقوله: «وأَنْتَ اللهُ الَّذِي لَمْ تَتَنَاهَ فِي الْعُقُولِ، فَتَكُونَ في مَهَبِّ فِكْرِهَا مُكَيَّفاً، وَلاَ فِي رَوِيَّاتِ خَوَاطِرِهَا فَتَكُونَ مَحْدُوداً مُصَرَّفاً»[20].
          وخَلصنا إلى أن عالم الوجود ونظام الكون ـ قائم على أساس نظام العلة والمعلول، أي أن الموجود الّذي لا يكون وجوده عين ذاته لا يكون موجداً لنفسه ولا حادثاً بالصدفة، بل معتمداً على ذاتي يكون وجوده عين ذاته: «كُلُّ قَائِم فِي سِوَاهُ مَعْلُولٌ»، فكلّ موجود له قيام وتقوم وله حض من الوجود وهو موجود معلول لله سبحانه، ذلك لأن الله مبدأ خلق العالم، وأن الموجودات الاُخرى متقوّمة به لعدم وجود أي موجود من الموجودات يكون وجوده عين ذاته، ولما كان وجود هذه الموجودات غير ذاتها وأن وجودها مستمد من الغير، فإن ذلك الغير لابدّ له أن يكون وجوداً محضاً ليمنحها الوجود، ولهذا قال أمير المؤمنين "عليه السلام": «كُلُّ قَائِم فِي سِوَاهُ مَعْلُولٌ»[21], أي أن عليّاً "عليه السلام" يستدل بعالم الإمكان على أصل وجود الله تعالى، كما أنّه ولكون عالم الإمكان حادثاً والله أزلي نجده يقول "عليه السلام" في مكان آخر من النهج: «الْحَمْدُ للهِِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ، وَبِمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلَى أَزَلِيَّته»[22], أي لما كان المخلوق حادثاً فلابدّ للخالق من أن يكون أزلياً، إذ لو كان الخالق حادثاً لاحتاج إلى خالق أزلي، وعلى هذا الأساس عرض أمير المؤمنين "عليه السلام" مراحل أربع:
المرحلة الأولى: مرحلة بساطة الله، أي أن الله بسيط غير مركب.
المرحلة الثانية: المتفرعة عن المرحلة الأولى هي عدم قبوله سبحانه للتجزئة.
المرحلة الثالثة: هي الاُخرى متفرعة عن الأولى أيضاً وهي مرحلة عدم قبوله تعالى للتبعيض بأي نحو من الأنحاء «وَلاَ تَنَالُهُ التَّجْزِئَةُ وَالتَّبْعِيضُ»[23].
المرحلة الرابعة: المنبثقة عن المرحلة الأولى فهي الإطلاق الذاتي لله، أي أن الله حقيقة غير محدودة، حيث لا حدّ لذات الله تعالى، ولو كان محدوداً لكان ناقصاً لفقده ما وراء الحد، وبالتالي لأصبح مركباً من الوجدان والفقدان، ومالكاً لبعض كمالات الوجود، وفاقداً لبعضها الآخر، ومن يكون كذلك يكون محتاجاً، والمحتاج لا يكون خالقاً ولا إلهاً, وأهم مرحلة من المراحل الأربع وأبرزها عند أمير المؤمنين "عليه السلام" حيث اعتمدها في خطبه هي أزلية الذات وإطلاقها، وعدم محدودية الله، وأنّه حقيقة مطلقة لا نهاية لها، ولا حدّ لذاته ولا لوجوده.
          أمّا فيما يتعلق بعدم معرفة الله تعالى كما هو عليه فيقول "عليه السلام" في خطبة مشهورة له: «الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ»[24], أي أن الهمم مهما كانت بعيدة المرام وعالية لا يمكنها معرفة الله تعالى ـ كما هو عليه ـ ولا يمكنها الوصول إلى قعر بحر المعرفة لا بالغور ولا بالغوص في العمق، فلا يقدر الإنسان على الإحاطة بالله سبحانه لا بالتحليق في العلو، ولا بالغوص في العمق، أي أن العارف لا يتمكن بالغور والغوص في معرفة النفس، ولا الفيلسوف بالعقل من معرفة كنه الله تعالى كما هو عليه، إنّه لا يتاح لأي منهما معرفة كنه الله سبحانه لا بالغوص في النفس ولا بالتحليق بالفكر ولا بالرياضة، لا بالمعادلات الفلسفية ولا بالمشاهدات العرفانية، لا بهذه ولا بأي طريق آخر يمكن الإحاطة بالله، والسبب هو لأن الله محيط بالطريق وبالسائر فيه وبسيره، إنّه محيط بأفكار المفكر وبمنط تفكيره ومحيط بالمفكر نفسه، وكذا محيط بالمشاهدات العرفانية، وبالعارف بمعرفته وبمشاهداته. فما يشاهده العارف وما يفكّر به الحكيم هو أمر محدود وفي إطار إحاطة الله، وهذا هو منطق القرآن الكريم أيضاً حيث يقول تعالى: "ولا يحيطون به علماً", إنّه لا يمكن حصول الإحاطة العلمية بالله، لعدم إمكانية المحدود من إخضاع اللامحدود لإحاطته، وفي هذا يرى أمير المؤمنين "عليه السلام" أنَّ العقل يقف قاصراً أمام الإكتناه وأمام الإحاطة العلمية لذات الله تعالى، فلا يتيسر له إدراك كنه الذات لأن المحيط المحض لا يقع مطلقاً تحت طائلة إحاطة المحدود مطلقاً، يقول "عليه السلام": «الْحَمْدُ للهِِ الَّذِي انْحَسَرَتِ الأَوْصَافُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ، وَرَدَعَتْ عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ، فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلَى بُلُوغِ غَايَةِ مَلَكُوتِهِ»[25].
          أمّا كون الله خارجاً عن الشيء فهو لعدم حلوله فيه مع إحاطته به، لذا يقول أمير المؤمنين "عليه السلام" في عدم مفارقة الله تعالى للشيء، أنّه سبحانه: «مَعَ كُلِّ شَيْء لاَ بِمُفَارَقَة، وَغَيْرُ كُلِّ شيء لا بِمُزَايَلَة»[26], وفي هذه المسألة بحث دقيق أيضاً في هل أن هذا الإطلاق هو نفس ذلك الإطلاق الذاتي للحقّ، أي أن ذات الله هي هكذا أم أن هذا الإطلاق مرتبط بفعله سبحانه وأن فعله وفيضه المنبسط هو مع كلّ شيء بلا أن يصطبغ بلون ذلك الشيء وبلا أن يكون خارجاً عنه ولا مجانباً له؟ إنّ ما أشار إليه صدر المتألهين في شرحه لأصول الكافي عند تناوله لخطب أمير المؤمنين "عليه السلام" إنّما تتناول شرح صفة الفعل لا مقام الذات، وهذا المعنى خارج عن حدود بحثنا الّذي نحن فيه, إذن فالفرع الثاني لأصل الإطلاق الذاتي هو أن الله موجود في كلّ مكان وغير ممتزج أو متّحد مع الشيء، كما أنّه حال فيه، لأن حلوله يعني اكتسابه لحكم ذلك الشيء، ولو كان كذلك لكان مادياً ومحدوداً، ولما كان أزلياً ولما كان غير محدود, أمّا الفرع الثالث المتفرع عن ذلك الأصل فهو أن الله في نفس الوقت الّذي هو فيه مع الموجودات مجرد ومتسام أيضاً، كما أنّه في نفس الوقت الّذي هو فيه في كمال السمو والعظمة قريب أيضاً، فهو لا يكون كائناً في مقام عال وسام من غير أن يكون حاضراً في مقام الدنو والقرب، إنه: «دان في علوّه، وعال في دنوّه»، ففي عين الحال الّذي هو فيه نازل مع الموجودات، حاضر أيضاً في المقام العالي، في نفس الوقت الّذي يكون فيه ذو مقام عال وحاضر إلى جوار الموجودات العالية له إشراف على الموجودات الدانية وله إحاطة بها، وهذا يؤكد قوله "عليه السلام" بأن الله تعالى شأنه: «دان في علوّه وعال في دنوّه» كما يؤكد قوله «سبق في العلو فلا شيء أعلى منه، وقرب في الدنو فلا شيء أقرب منه، فلا استعلاؤه باعده عن شيء من خلقه، ولا قربه ساواهم في المكان به»[27], أي أنّه سبحانه عال بنحو لا يناله فكر أحد، ودان وقريب بنحو لا شيء أقرب إلى الإنسان أو إلى غيره منه، فهو في نفس الوقت الّذي هو فيه في مقام العلو بل وأعلى من كلّ علو ومن كلّ عال، وأن علوه سابق على كلّ اعتلاء، وأنّه سبحانه علو كلّ عال في عين هذا الحال فإنّه موجود مع أخس الموجودات وأنزلها، وأقرب إلى كلّ موجود من نفسه فهو أقرب إلى الإنسان من نفس الإنسان, فهو يعلم ما يجول في خواطرنا أكثر ممّا نعلم، بل وقبل أن نعلم، فعلمه بها سابق على علمنا بها.
           إنَّه سبحانه أقرب منا إلى القدرة المودعة في نفوسنا، كما لا يوجد شيء لا يكون الله أقرب إليه منه، وسر ذلك هو أن هذا من مستلزمات الإطلاق الذاتي ومن مستلزمات اللامحدودية يقول أمير المؤمنين "عليه السلام": «فَلاَ اسْتِعْلاَؤُهُ بِاعَدَهُ عَنْ شَيْء مِنْ خَلْقِهِ، وَلاَ قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ في المَكَانِ بِهِ» وذلك لأن هذا من مستلزمات الحقيقة المطلقة غير المحدودة وإن كان هناك شيء غير محدود فإنّه بالضرورة سيكون على هذا النحو, كما أن أحد الفروع المنبثقة عن الإطلاق الذاتي وعن عدم تناهي الحقّ تعالى هو ظهوره تعالى بنحو تكون فيه معرفتنا له أكثر من معرفتنا لأي شيء آخر، إذ لا يمكن أن يكون هناك شيء أعرف لنأمن الله، وأن كلّ ما نعرفه إنّما نعرفه بواسطة النور الإلهي، ففي البدء نعرف الله، ثمّ نعرف غيره، أمّا أن تكون هناك غفلة فهذه مسألة أخرى، وإلاّ فإنّه أعرف من أي معروف وأجلى من أي جلي، إنّه الحقّ المبين,
قال "عليه السلام" في خطبة له: «هو الله الحقّ المبين»[28], فالله بيّن ومعلوم وظاهر محض، إنّه «أَحَقُّ وَأَبْيَنُ مِمَّا تَرَى الْعُيُونُ», فقد ترى العين شيئاً فتراه على غير ما هو عليه، بل قد لا ترى الشيء الموجود في الخارج بنحو دقيق أو أنّها ترى شيئاً لا وجود له، إذن فالله أثبت وأحق بالوجود ممّا تراه العين من الأشياء التي تطمئن إلى رؤيتها لأنّه عين الوجود, وبناءً على هذا فإن كلّ ما تراه العين غير قابل لأن يقاس بالله، لأنّه أثبت من حواسنا وأليق به لأن يكون حقاً: «وَأَبْيَنُ مِمَّا تَرَى الْعُيُونُ» إنّه أظهر المحسوسات التي يحسها الإنسان، ذلك لأن روح الإنسان تبصر بواسطة شبكية العين، وتدرك أن عملية الإدراك إنما تتم من خلالها فالأعمال الفسلجية تتم عبر شبكية العين، حيث تقوم آلة تصويرها بوظائفها المادية أمّا الإدراك فهو من وظيفة الروح البشرية, هذه الروح هي في الحقيقة التي تبصر وتفهم وتدرك، وما نفس هذا النظر والتصوّر والتفكير والمطابقة مع الواقع إلاّ موجودات محدودة ومخلوقة لله, ولهذا أكد "عليه السلام" أنّه لا يمكن إنكار وجود الله, لأن نفس الإنكار دليل على وجوده سبحانه باعتباره فعلا من الأفعال وموجوداً من موجودات الكون، فنفس الشك في وجود الله دليل على وجوده سبحانه، لأن الشك لا يعدو أكثر من كونه وجوداً وحادثاً يعتمد في وجوده على غيره، لذا فلا يمكن إنكار وجود الله بأي شكل من الأشكال، وحتى المنكر لوجود الله بلسانه هو مؤمن بوجوده غير أنّه غافل لا يدرك ما يقول، فالله تعالى حقيقة لا تقبل الإنكار، فهو أثبت وأجلى وأظهر من جميع المحسوسات يقول "عليه السلام": «أحق وَأَبْيَنُ مِمَّا تَرَى الْعُيُونُ» فإذا كان هناك استدلال فإنّه سبحانه هو الّذي يوجد العلاقة بين الدليل والمدلول، وهو الّذي يخلق الدليل ويوجده، كما أنّه هو الّذي يوجد العلاقة بين الدليل والمدلول والمدّعي، لأن جميع هذه الأمور موجودات محدودة وممكنة، وإذا كانت كذلك فإنّها طبقاً للاستدلال الآخر لأمير المؤمنين "عليه السلام": «الحمد لله الدالّ على وجوده بخلقه» تكون محتاجة إلى مبدأ، وهذا بدوره يتطابق مع قاعدته"عليه السلام" الكلية: «كُلُّ قَائِم فِي سِوَاهُ مَعْلُولٌ» إذ كلّ موجود لا يكون وجوده عين ذاته يكون محتاجاً إلى الله. كما أن كلّ ما كان مسبوقاً بالعدم ثمّ وجد فإنّه يجب أن يكون معتمداً على وجود محض، باعتبار أن الصدفة العمياء لا دور لها في نظام العلة والمعلولية.
          إذن فنفس الشكّ والتردّد في وجود الله وحتى الإنكار هو عبارة عن موجود خارجي يدلّل على وجوده سبحانه، فمن غير الممكن نفي وجود الله، ومن غير الممكن رفض وجوده سبحانه، وإذا ما فعل شخص ما ذلك فإنّه أخطأ في حساباته أو أنّه لا يريد الانصياع لله وللإيمان به، إذ الإيمان غير العلم لأن الإيمان عمل إرادي، أمّا العلم والإدراك فإنّه غير إرادي.
إن الباحث إذا ما كان دقيقاً في وضع الدليل، وجاء بالمقدمة اللازمة للبحث فإنّه سينتهي إلى نتيجة، وسيحصل على ثمرة من وراء بحثه، ولا يقبل منه ـ عندئذ ـ قوله بعدم الرغبة في فهم وإدراك النتيجة التي بلغها وحصل عليها في بحثه وتدقيقه، كما لا يقبل منه القول بأنّني لا أريد أن أكون عالماً بهذه النتيجة، إن الأمر ليس كذلك، بل إنّه بعد أن ترسخ الدليل القوي في نفسه، وبعد أن استعمل عقله في بحث موضوعه العلمي فإنّه سيفهم ـ لا محالة ـ نتيجة موضوعه سواء رغب أم أعرض، ومع ذلك بإمكانه أن لا يؤمن، وأن لا يرفض ولا يرضخ للنتائج، بل ويعترض عليها ولا يسلّم لها. إنّه باستطاعته أن يكفر بها، لكنه لا يمكن أن لا يفهمها وأن لا يعيها ذلك لأن الفهم والإدراك يكون أمراً ضرورياً بعد الانتهاء من وضع المقدمات، وبعد قيام الدليل على الموضوع خاصة أن الفهم عمل غير إرادي، أمّا وضع المقدمات وعدم التفكير فإنّه أمر إرادي وبإمكانه الإعراض عنه، وعن مطالعة الموضوع أو مناقضته، لكنه إذا بحث وطالع واستدل واستمع واستوعب موضوعاً ما وحقّق تحقيقاً حصل القطع له في النتائج فإنّه سيفهم وسيدرك سواء أراد أم لم يرد، كما بإمكانه أن يؤمن وأن يكفر وبالعكس، إذ الإيمان والكفر هو فعل إرادي للنفس وأن بين الإنسان والإيمان والإرادة حائل وحاجز، أمّا بين الإنسان وبين فهم الإرادة فلا حائل ولا حاجز إذ أنّه إذا ما أقيم الدليل على أمر ما فإنّه لابدّ للإنسان حينئذ من الفهم والإدراك للنتائج المترتبة عليه، ولهذا أكد أمير المؤمنين "عليه السلام" على أن الله غير قابل للإنكار وأنّه أقوى في ثبوته من محسوس، وأثبت من كلّ مشهود, ويقول"عليه السلام" إنّه سبحانه: «أحقّ وَأَبْيَنُ مِمَّا تَرَى الْعُيُونُ».
          إنَّ قدرتنا الجسمية والفكرية وكلّ طاقاتنا خاضعة لإحاطة قدرة الله تعالى، وإذا أراد الله إضلال شخص ما فإنّما يضلّه بعقيدته التي يعتقدها، كما أنّه إذا أراد أن يبتليه فإنّه يبتليه بيده وبلسانه، جاء ذلك في إحدى خطب أمير المؤمنين "عليه السلام" قوله: «وَجَوَارِحُكُمْ جُنُودُهُ»[29], أي أن كافة أعضائكم هي جند لله، وأن من لم يشمله حبّ الله تعالى، وعصاه فإنّه سبحانه يبتليه بلسانه وبيده، كأن يقول قولا فيبتليه بقوله، أو يقدم على عمل ما بنفسه فيؤدي به إلى السجن، أو يذهب إلى مكان ما أو يرتقي محلا فيكون سبباً لسقوطه ولانزلاقه,
ويقول"عليه السلام": «وَجَوَارِحُكُمْ جُنُودُهُ، وَضَمائِرُكُمْ عُيُونُهُ، وَخَلَوَاتُكُمْ عِيَانُهُ», أي أن خلواتكم وأسراركم وسمّاركم، كلّ أولئك هم في محضر الله، فعلمه محيط بسمّاركم مثلما هو حاضر في خلواتكم، بل إنّه تعالى حاضر بينكم وأنتم تعقدون المؤتمرات السرية، لقد بحثنا ذلك في بحوثنا التي عقدناها في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم وتناولناه في معرض تفسير قوله تعالى: "ما يكون من نجوى ثلاثة إلاّ هو رابعهم ولا خمسة إلاّ هو سادسهم", أي ما اجتمع ثلاثة وتدالوا في أمر ما إلاّ كان الله رابعهم ومحيطاً بهم، وما تداول خمسة إلاّ كان الله سادسهم، وما يجتمع جمع إلاّ كان محيطاً بهم، إذن فمن شرط ولازم اللامحدود أن لا يخلو من مكان، وأن يكون محجوباً عن الوصف بما هو عليه, ويقول أمير المؤمنين "عليه السلام": «الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ»[30], ويقول: «أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ», أي أن بداية الدين هي معرفة الله «وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْديقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الاِْخْلاصُ لَهُ، وَكَمَالُ الاِْخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ»[31], إن في هذه العبارة نقطة لا بأس بتناولها، وهي أن أمير المؤمنين "عليه السلام" يرى أن توحيد الموحّد لا يكون خالصاً حتى يكون نافياً للصفات الزائدة على الذات، فإذا كانت الصفة علماً لابدّ لها أن تكون عين ذات الله، وإذا كانت قدرة كانت عين ذات الحقّ، وكذا إذا كانت حياة، وذلك لأنّ الصفة إذا كانت زائدة على ذات الله فإن الذات ستكون فاقدة لها، كما أن الصفة ستكون منفصلة عن الذات, وستكون الذات والصفة كلاهما محدودين، وبديهي أن الموجود المحدود هو غير الله, وسيكون بالتالي محتاجاً لمن هو أعلى منه، وبهذا الاستدلال يستدلّ "أمير المؤمنين" على هذا الموضوع بقوله: «لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَة أَنَّها غَيْرُ المَوْصُوفِ»[32], فمن وصل إلى مقام الإخلاص لله كان من صفوة البرية، وارتقى به مقامه إلى "كمال الإخلاص له نفي الصفات عنه" وهي المرتبة الخامسة وقمة الإخلاص لله أن ينفي أي صفة يُراد بها تشبيه أو وصف، لأن الله"سبحانه" لا يُشبهه شيء ولا يُوصف بكيف ولا يحيط به علم ولا يُدرك بالعقل لأن كلَّ ما يُدرك بالعقل محدود وكلُّ محدودٍ محتاج.
          إن الصفة الزائدة على الذات في صفة محدودة وهي بنفسها تدل على غير الموصوف لزيادتها عليه، كما أن الموصوف الفاقد لها لو وصف بها فإنّه سيشهد على أنّه غير الصفة، وبناءً على هذا لا يمكن وصف الله بصفات هي زائدة على ذاته، ولما كانت صفاته عين ذاته فإنها لابدّ لها من أن تكون غير محدودة.
          إذاً وحينما يتطور الإنسان في معرفتهِ لله يصل إلى المرتبة الثانية من قول الإمام"ع" "وكمالُ معرفتِهِ التصديقُ به" هذه المعرفة الفطرية كمالها التصديق بالله والتصديق هو الاعتراف بهذا الإله والتسليم لهُ والانقياد إليه، وهذه المرتبة إنما تتحصل عن طريق الهداية والنور الذي يمنحهُ اللهُ لمن أحبَّ وشرح صدرهُ للإيمان، ولا يتصورُ أحدٌ أن هذه المرتبة هينة بل هي شاقةٌ عسيرة تتكأدُ لحملها النفوس ويشقُ عليها ما بها من عُسرة، وكم رأينا مِن صدّيقين انقلبت بهم سوءُ العاقبة فارتدّوا كفاراً مشككين، فالباعثُ على نيلِ هذه المرتبة توفيقٌ من الله واتّباعٌ لسنة النبي وأهل بيتهِ"ص".
     فإذا بلغ ما تطمئنُ به نفسُهُ ارتقى إلى ما قاله أمير المؤمنين"ع" من أحوال الواصلين إلى المرتبة الثالثة "وكمالُ التصديقِ به توحيده"، أي إن مبلغ درجة التصديق توحيده، والتوحيد يعني نفي الشريك عنه سبحانه، فإذا نال هذه المرتبة ارتقى به كماله إلى المرتبة الرابعة "وكمالُ توحيدِهِ الإخلاص لهُ" ومعنى الإخلاص أن يكون من يصل هذه المراتب مخلصاً في النية قبلَ العمل وفي العلنِ قبل السر، فإذا تحقق الإخلاص لله تحققت معهُ صلاح سريرة العبد من الشوائب واعرض عمن سواهُ وخالف في طاعته ما عداه، فإذا كان العبد هكذا يكون ممن قال فيهم أمير المؤمنين"ع" قاصداً المتقين "فشرورُهم مأمونة "، أي لا يُخافُ مكرهم ويُؤمنُ جانبهم.
          وينهي أمير المؤمنين "عليه السلام" كلّ هذه الاستدلالات إلى عدم حدودية الذات المقدسة وإلى أزليتها، يقول "عليه السلام": «لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَة أَنَّها غَيْرُ المَوْصُوفِ، وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوف أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ»[33], وهذا بنفسه دليل على أن المراد من تلك الصفة هي الصفة الزائدة على الذات، يقول "عليه السلام": «وَكَمَالُ الاِْخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ» أي نفي الصفات الزائدة على الذات، «فَمَنْ وَصَفَ اللهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ»[34], أي أن الواصف لله بصفة زائدة على ذاته فإنّه سيكون قد جعل الله قريناً في حين أنّه غير محدود، ولا يكون على هذا النحو «وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ»[35].
          إن من يفترض صفة زائدة على الذات يكون في الحقيقة قد اعتبر الله مركباً من الصفة والموصوف، وبالتالي سينتهي إلى الاثنين قرينين، كما أنّه سيخرج الله من الوحدة إلى الاثنينية، وينتهي به ذلك إلى القول بوجود مبدئين، وهذا خروج عن التوحيد، لأن الصفة الزائدة ستكون موجوداً قديماً، وسيكون الله وصفته موجودين قديمين، وهنا يحذّر أمير المؤمنين "عليه السلام" في هذا المجال ويرى أن من أشار إلى الله بإشارة عقلية «فَقَدْ حَدَّهُ»[36], أي جعله محدوداً، لأنه إذا كان قابلا للإشارة سواء أكانت تلك الإشارة حسية أم حدسية أم فكرية أم عرفانية فإنّه سيكون محدوداً، وإذا ما أصبح كذلك فإنّه سوف لن يكون إلهاً.
          إذاً الله هو الحقيقة التي لا حدّ لها، وإذا ما حدّ فإنّه سيصبح رقماً عددياً، يقول"عليه السلام": «وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ»[37] أي جعله رقماً عددياً قابل للعدّ إلى جانب الأعداد الاُخرى، إذ أن كلّ موجود محدود، يكون إلى جواره موجود محدود آخر. فيكون هذا واحداً والآخر ثانياً، أمّا إذا كان مجرداً فسوف لن تكون وحدته عددية بل ستكون وحدة منبثقة عن وحدة الذات المطلقة, ويقول "عليه السلام" في إحدى خطبه, أنَّ من يصف الله بهذه الأوصاف الزائدة على الذات «فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ»[38], أي أخرج الله من أزليته وأبطلها، وإذا كان الله غير أزلي فإنّه سوف لن يكون إلهاً، لأن الأزلية من مستلزمات الوجود اللامحدود، وإذا سلبت منه فإنّه سيكون حادثاً وسيكون محدوداً.
          إذاً, إنَّ معرفة الله هي بمنزلة الحروف الأولى في الدين، فمن عرف الله تمكن من قراءة خط الدين وأدرك المرامي التي ينشدها الدين، أما إذا لم يدرك تلك الحروف فإنه سيخطئ في قراءة كلمات الدين وأوامره ومن ثم يخطئ في ترجمتها في سلوكه وسيصل به الأمر إلى ما عبر عنه القرآن في قوله سبحانه وتعالى:﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ "الكهف: 104", لذا قال الإمام علي "عليه السلام": "أوَّل الدين معرفته"[39], وعن الفضل بن السكن: عن أبي عبد الله "ع": قال: قال أمير المؤمنين "ع": اعرفوا الله بالله، والرسول بالرسالة، وأولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان, وعن أمير المؤمنين "ع" أنه قال بوصف الله تعالى: أول الدين معرفته, وكمال معرفته التصديق به, وكمال التصديق به توحيده, وكمال توحيده الإخلاص له, وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف, وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة, فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه, ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله, ومن‏ جهله فقد أشار إليه ومن أشار إليه فقد حده, ومن حده فقد عده, ومن قال: فيم فقد ضمنه ومن قال علام فقد أخلى منه[40]‏, وعن أمير المؤمنين "ع" أنه قال بوصف الله تعالى: وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, شهادة ممتحنا إخلاصها, معتقدا مصاصها, نتمسك بها أبدا ما أبقانا, وندخرها لأهاويل ما يلقانا, فإنها عزيمة الإيمان, وفاتحة الإحسان, ومرضاة الرحمن, ومدحرة الشيطان‏, وقال أمير المؤمنين "عليه السلام", أنَّه قال بوصف الله تعالى: لم يعقد غيب ضميره على معرفتك, ولم يباشر قلبه اليقين بأنه لا نِدَّ لكَ, وكأنه لم يسمع تبرؤ التابعين من المتبوعين إذ يقولون: {تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين} كذب العادلون بك,‏ إذ شبهوك بأصنامهم, ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم, وجزءوك تجزئة المجسمات بخواطرهم, وقدروك‏ على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم, وأشهد أن من ساواك بشي‏ء من خلقك فقد عدل بك, والعادل بك كافر بما تنزلت به محكمات آياتك, ونطقت عنه‏ شواهد حجج بيناتك‏[41], وقال أمير المؤمنين "عليه السلام", أنَّه قال بوصف الله تعالى: خرت له الجباه, ووحدته الشفاه, حد الأشياء عند خلقه لها إبانة له‏ من شبهها, لا تقدره الأوهام بالحدود والحركات, ولا بالجوارح والأدوات, لا يقال له: متى؟ ولا يضرب له أمد بحتى, الظاهر لا يقال: مما؟ والباطن لا يقال: فيما؟[42], وبالتالي أشار الإمام "عليه السلام" في هذا الكلام إلى قاعدة كلية مهمّة وخالدة في فهم صفات الحق سبحانه وتعالى، بحيث لو انطلق الجميع في حركتهم الفكرية من خلالها لما بقي هناك من اختلاف بما يرتبط بصفاته سبحانه، فقال "عليه السلام": «فانظر أيّها السائل فما ذلك القرآن عليه من صفته فأنتم به، واستضئ بنور هدايته، وما كلفك الشيطان علمه ممّا ليس في الكتاب عليك فرضه، ولا في سنة النبي"صلى الله عليه وآله" وأئمة الهدى أثره; فكل عمله إلى اللّه سبحانه، فان ذلك منتهى حق اللّه عليك». فالواقع أنّ الإمام "عليه السلام" قد حدد وظيفة الجميع في ضرورة معرفة صفات اللّه بالاستناد إلى القرآن وسنة النبي "صلى الله عليه وآله" وهدى أئمة العصمة "عليهم السلام"، والابتعاد تماماً عن الاستبداد, والتمسك بالرأي والتعويل على الأفكار الإنسانية المحدودة بهذا الخصوص، فكل هذه الأمور من وساوس الشيطان ومكائده, لأنّ صفات اللّه مطلقة كذاته ليست محدودة من جانب، ومن جانب آخر فانّ معارف الإنسان وعلومه إنّما تقتصر على المخلوقات، فإذا اتجهوا صوب صفات اللّه خشى عليهم السقوط في مستنقع التشبيه على غرار صفات مخلوقاته، ومن هنا فانّ أغلب من ولى ظهره لهذا الأصل الأساسي المتمثل بالرجوع إلى القرآن والوحي وكلمات المعصومين "عليهم السلام", وبالتالي دأب الإمام علي "عليه السلام" في نصوص نهج البلاغة على تنزيه لله جل جلاله عن التشبيه والتجسيم في أسمائه وصفاته وفي معاني عرشه، هناك خطين لنهج الإمام في ذلك, الأوَّل: في المعاني العلمية للعرش لرفع شبه التجسيم والتشبيه عن الله سبحانه وتعالى, والثاني: في معاني التوحيد الخالص لله تعالى عند سيد الموحدين، أمير المؤمنين "عليه السلام"، وفق نصوص من نهج البلاغة, فأمير المؤمنين علي "عليه السلام" في خلوص عبوديته لله تعالى يعتبر قدوة ربانية وأسوة نبوية للموحدين العابدين الخالصين المخلصين لله تعالى لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا[43], ومن نهج البلاغة قوله "عليه السلام": "وإنَّ اللّه سبحانُه يعود بعد فناء الدّنيا وحده لا شي ء معه, كما كان قبل ابتدائها، كذلك يكون بعد فنائها, بلا وقت ولا مكان، ولا حين ولا زمان, عدمت عند ذلك الآجال والأوقات، وزالت السّنون والسّاعات, فلا شي ء إلاّ اللّه الواحد القهّار، الّذي إليه مصير جميع الأمور, بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها، و بغير امتناع منها كان فناؤها, إذاً وتبعاً لذلك ذكر "عليه السلام" في هذا الجانب من خطبته خمسة مراحل لمعرفة الله, وهي المعرفة الإجمالية والناقصة, والمعرفة التفصيليَّة, وتوحيد الذات والصفات, الإخلاص, ونفي التشبيه.
          وأورد عليه السلام في نهج البلاغة خمس فقرات عن معرفة الله, هذه الفقرات المتتابعات المتسلسلات, ينتقل فيها الإمام متدرِّجًا من العموم إلى الخصوص، ومن السعة والشمول إلى الدقة والتقييد، ومن الغيبة إلى الحضور في التفات يجعل الوعي حاضرًا والفكر عاملًا للخلوص إلى النتيجة المقصودة التي قاد العقول إليها، فقد نظم أمير المؤمنين "عليه السلام" خطابه بذهن وقاد، ودقَّة عالية، وبناء متين ليهيئ المتلقي للانتقال في فكره برشاقة وسلاسة إلى ما قاده إليه، وقد تمثل هذا البناء على النحو الآتي: "بدأ المقطع الأول من النص بقوله: "ولَوْ فَكَّرُوا فِي عَظِيمِ الْقُدْرَةِ وجَسِيمِ النِّعْمَةِ..", إذ أسند الفعل الماضي إلى جماعة الغائبين، وجعل مورد التفكير عامًا "فِي عَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَجَسِيمِ النِّعْمَةِ"، ليكون ناتج الدلالة "لَرَجَعُوا إِلَى الطَّرِيقِ وَخَافُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ.."، بيد أن هذه الثمرة من التفكر لا تجنى لأنه "الْقُلُوبُ عَلِيلَةٌ وَالْبَصَائِرُ مَدْخُولَةٌ"، في إشارة جميلة إلى ضرورة إعمال الفكر للوصول إلى الغاية التي سيقود المتلقي إليها.
          أما المقطع الثاني فبدأه بالتفات من الماضي إلى المضارع لجماعة الغائبين الغافلين مع التحضيض "أَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى صَغِيرِ مَا خَلَقَ"، وكان مورد النظر أخص من المقطع الأول "إِلَى صَغِيرِ مَا خَلَقَ كَيْفَ أَحْكَمَ خَلْقَهُ وَأَتْقَنَ تَرْكِيبَهُ وَفَلَقَ لَهُ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَسَوَّى لَهُ الْعَظْمَ وَالْبَشَرَ"، فاستعمال الفعل "يَنْظُرُونَ" بمادته وهيأته أوفق مع السياق من استعمال الأفعال الدالة على التفكر، لأن المورد يدعو إلى مشاهدة الخلق والتأمل فيه، ويخص صغار الخلق لأنه أدعى للعجب والدهشة، وليهيئ المتلقي إلى الانتقال للمقطع الآتي.
        بدأ المقطع الثالث بالالتفات من الغيبة إلى الحضور صادمًا لغفلة المتلقين بالخطاب المباشر إلى جماعة الحاضرين "انْظُرُوا إِلَى النَّمْلَةِ.."، وليكون مورد النظر أخص مما سبق "إِلَى النَّمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا وَلَطَافَةِ هَيْئَتِهَا لَا تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ وَلَا بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا وَصُبَّتْ عَلَى رِزْقِهَا تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا وَتُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا لِبَرْدِهَا وَفِي وِرْدِهَا لِصَدَرِهَا مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا", ليكشف عن ملاحظة دقيقة لحياة كائن حي لا يأبه له الناس، ولا يقيمون له وزنًا، فيدعوهم بالخطاب المباشر إلى النظر والتأمل والاعتبار ليكون ناتج الدلالة "لَا يُغْفِلُهَا الْمَنَّانُ وَلَا يَحْرِمُهَا الدَّيَّانُ وَلَوْ فِي الصَّفَا الْيَابِسِ وَالْحَجَرِ الْجَامِسِ"، لينهي في هذا المقطع مرحلة النظر والتأمل، ويفتح الباب أما التفكر في المقطع الرابع.
          يبدأ هذا المقطع بالتفات ثالث من جماعة المخاطبين إلى المخاطب المفرد باستعمال الفعل "ولَوْ فَكَّرْتَ.." المسند إلى تاء الفاعل المفتوحة، ليفسح المجال أمام المتلقي لإعمال فكره من دون إكراه بدلالة أسلوب الشرط غير الجازم "لو"، وليقوده برفق إلى مورد التفكر "فِي مَجَارِي أَكْلِهَا فِي عُلْوِهَا وَسُفْلِهَا وَمَا فِي الْجَوْفِ مِنْ شَرَاسِيفِ بَطْنِهَا وَمَا فِي الرَّأْسِ مِنْ عَيْنِهَا وَأُذُنِهَا"، وهو ما لا يلحظ ببصر، ولا ينال إلّا بالتفكر لذا ناسبه استعمال الفعل "فَكَّرْتَ"؛ لكون المورد أكثر خصوصية ودقة من كل ما مر سابقًا، ليصل به إلى جواب الشرط "لَقَضَيْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَبًا وَلَقِيتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَبًا"، وليقود المتلقي إلى نتيجة الدلالة للمقاطع الأربعة السابقة "فَتَعَالَى الَّذِي أَقَامَهَا عَلَى قَوَائِمِهَا وَبَنَاهَا عَلَى دَعَائِمِهَا لَمْ يَشْرَكْهُ فِي فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ وَلَمْ يُعِنْهُ عَلَى خَلْقِهَا قَادِرٌ"، وليهيِّئه نفسيًّا وفكريًّا إلى تقبل الحقيقة الناصعة في المقطع الخامس، والتي تحتاج إلى إعمال الفكر.
          فقد بدأ المقطع الخامس الذي هو ختام النص موضع البحث بتأكيد الحضور في ذهن المتلقي، وإدامة التفكر بعمق وتحقيق، متوسلًا إلى ذلك بأسلوب الشرط غير الجازم مع ما يتبعه من جملة الشرط "وَلَوْ ضَرَبْتَ فِي مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غَايَاتِهِ"، ليؤشر إلى أن ناتج الدلالة في جواب الشرط يحتاج إلى أبعد من النظر والتأمل؛ لأنه قائم على القياس والاستنباط الناتجين عن عمق الفكر وقوة الربط، ليؤدي إلى "مَا دَلَّتْكَ الدَّلَالَةُ إِلَّا عَلَى أَنَّ فَاطِرَ النَّمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ النَّخْلَةِ"، ليعلن الغاية من التفكر في الخلق وهو الوصول إلى توحيد الخالق بعد أن قادت مشاهدة الخلق إلى معرفة الخالق, فالتوحيد نتيجة لا تنال إلّا بإعمال الفكر، وهو ما دعا الإمام "عليه السلام" إلى تعليل هذه النتيجة بقوله: "لِدَقِيقِ تَفْصِيلِ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَغَامِضِ اخْتِلَافِ كُلِّ حَيٍّ وَمَا الْجَلِيلُ وَاللَّطِيفُ وَالثَّقِيلُ وَالْخَفِيفُ وَالْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ فِي خَلْقِهِ إِلَّا سَوَاء"[44].
          وبالتالي فإنَّ كلام أمير المؤمنين "عليه السلام", في نهج البلاغة، نرى أنَّه "عليه السلام" ينفي استطاعة الإنسان على معرفة كنه الباري تعالى، إذ يقول "عليه السلام": «الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن» وقال "عليه السلام": «لا تقع الأوهام له على صفة، ولا تعقد القلوب منه على كيفية»[45], وقال "عليه السلام": «من وصفه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن عدّه فقد أبطل أزله، ومن قال كيف فقد استوصفه، ومن قال أين فقد حيّزه», وقال عليه السلام: «الحمد لله الذي انحسرت الأوصاف عن كنه معرفته، وردعت عظمته العقول فلم تجد مساغاً إلى بلوغ غاية ملكوته... لم تبلغه العقول بتحديد فيكون مشبّهاً، ولم تقع عليه الأوهام بتقدير فيكون ممثّلاً», وبعدما عرفنا عجز الإنسان عن الوصول إلى معرفة كنه الباري، فهل هذا يعني تأييد نظرية تعطيل المعرفة؟! ونرى أنّ أمير المؤمنين "عليه السلام" في نهج البلاغة, ينفي نظريَّة التعطيل، ويشير إلى أنّ الإنسان يتمكن من المعرفة الإجمالية التي بها يثاب ويعاقب، فقد قال "عليه السلام": «لم يطلع العقول على تحديد صفته، ولم يحجبها عن واجب معرفته[46]», وهناك بعض الطرق للوصول إلى هذه المعرفة الإجمالية، وردت في نهج البلاغة، ومنها الأعلام والآيات الإلهيَّة: حيث قال "عليه السلام": «فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود»[47], وقال عليه السلام: «وأرانا من ملكوت قدرته، وعجائب ما نطقت به آثار حكمته، واعتراف الحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمساك قوّته، ما دلّنا باضطرار قيام الحجة له على معرفته، وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته، وأعلام حكمته، فصار كلّ ما خلق حجة له ودليلاً عليه، وإن كان خلقاً صامتاً فحجته بالتدبير ناطقة، ودلالته على المبدع قائمة[48]», وقال عليه السلام: «فلسنا نعلم كنه عظمتك إلّا أنّا نعلم انّك حيّ قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، لم ينته إليك نظر، ولم يدركك بصر، أدركت الأبصار، وأحصيت الأعمال، وأخذت بالنواصي والأقدام[49]», وقال عليه السلام: «الحمد لله الذي أظهر من آثار سلطانه، وجلال كبريائه، ما حيّر مقل العقول من عجائب قدرته، وردع خطرات هماهم النفوس عن عرفان كنه صفته», النقطة الثانية هي مشاهدة القلوب: حيث رُوي أنّ ذعلب اليماني سأل أمير المؤمنين عليه السلام, وقال: هل رأيت ربّك يا أمير المؤمنين؟ فقال "عليه السلام": «أفأ عبد ما لا أرى؟» قال: وكيف تراه؟ قال: «لا تدركه العيون بمشاهدة، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريب من الأشياء غير ملامس، بعيد منها غير مباين، متكلّم بلا روية، مريد بلا همّة، صانع لا بجارحة، لطيف لا يوصف بالخفاء، كبير لا يوصف بالجفاء، بصير لا يوصف بالحاسة، رحيم لا يوصف بالرقة، تعنو الوجوه لعظمته، وتجب القلوب من مخافته[50]», النقطة الثالثة التي تحدث بها "أمير المؤمنين", الرجوع إلى الثقلين: قال "عليه السلام": «فانظر أيها السائل فما دلّك القرآن عليه من صفته فائتمّ به[51]، واستضئ بنور هدايته، وما كلّفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه، ولا في سنّة النبي "صلى الله عليه وآله" وأئمة الهدى أثره، فكل علمه إلى الله سبحانه، فانّ ذلك منتهى حق الله عليك, وأعلم أنّ الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح الله تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً، وسمّى تركهم التعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخاً، فاقتصر على ذلك، ولا تقدّر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين».
         


[1] - نهج البلاغة، خ49.
[2] - تفسير العياشي، ذيل الآية 7 من سورة التوبة، نقلاً عن الجزء التاسع من الميزان في تفسير القرآن للطباطبائي.
[3] - الكافي 1: 85; روضة الواعظين، باب معنى التوحيد والعدل: 30; مصابيح الأنوار 1: 24.
[4] - https://inahj.org/fadael/626
[5] - تحف العقول: 349; البحار 5: 75.
[6] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 13/12.
[7] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 7/194.
[8] - https://mk.iq/view2.php?id=5280
[9] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 7/194.
[10] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 10/85.
[11] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 10/81.
[12] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 5/153.
[13] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد, 3.
[14] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/392.
[15] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/392.
[16] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 7/67.
[17] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/345.
[18] -  شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 7/194.
[19] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/398.
[20] -  شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/413.
[21] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 13/69.
[22] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 9/147.
[23] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/345.
[24] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/57.
[25] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 9/181.
[26] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/78.
[27] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/216.
[28] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 9/181.
[29] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 10/203.
[30] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/72.
[31] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/72.
[32] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/72.
[33] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/72.
[34] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/72.
[35] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/72.
[36] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 9/172.
[37] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 9/147.
[38] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 9/147.
[39] - - المواعظ والحكم / الشهيد مطهري ص15_17.
[40] - ) نهج البلاغة ص 39, الإحتجاج ج 1 ص 199, نهج الحق ص 65, بحار الأنوار ج 4 ص 247تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
[41] - نهج البلاغة ص 126, بحار الأنوار ج 54 ص 108, بعضه: التوحيد ص 54, تفسير نور الثقلين ج 4 ص 60, تفسير كنز الدقائق ج 9 ص 488.
[42] - نهج البلاغة ص 232, بحار الأنوار ج 4 ص 306
[43] - https://im.imamhussain.org/arabic/researches/4519
[44] - https://alhikmeh.org/yanabeemag/?p=4108
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى