الامام عليّ (ع) في السياسة

2021.11.30 - 03:02
Facebook Share
طباعة

 لنقرأ كيف كان عليّ يفكّر، وكيف كان يعالج بعض القضايا في زمنه، فلقد كان النّاس يقولون له: إنّ هناك ساحة تكثر فيها أساليب المكر والحيلة والخداع، ومن الصَّعب عليه أن ينجح في الحكم إذا لم يأخذ بأسباب الحيلة، ومن الصّعب أن ينجح حاكم إذا لم يتلوّث ولم يخدع ويخادع، وكانوا يقولون: يا عليّ، إذا أردت أن ينجح حكمك، فحاول أن تأخذ بأسباب الحيلة.. كُن ضبابياً.. أعطِ الواقع الَّذي تتحرّك فيه عنوان الإسلام، من دون أن يكون الإسلام في عمقك، أعطِ كلماتك بعض خطوط الإسلام، ولكن فرّغها من داخل الإسلام، لأنَّ السياسة التي تتبعها لا تنجح، فإذا لم تكن سياسياً كما هي السياسة، ستفشل. فكيف علّق عليّ(ع) على هذه الدَّعوة؟

اسمعوا ردّه: "إنَّ الوفاء توأم الصِّدق ـ فعندما تكون صادقاً، لا بدَّ من أن تكون وفيّاً، لأنّ الصّدق يفرض عليك أن تكون صادقاً مع نفسك، وصادقاً مع ربّك، وصادقاً مع كلّ النّاس الذين أعطوك ثقتهم من موقع إحساسهم بصدقك، كُن وفيّاً لهم ـ إنَّ الوفاء توأم الصّدق، ولا أعلم جُنّة ـ وقايةً ودرعاً ـ أوقى منه، ولا يغدر من علم كيف المرجع"، فكيف تغدر وقد أعطيت العهد؟! وكيف تغدر وقد أعطيت الثّقة من نفسك؟! ربما تحصل في غدرك على بعض الأرباح والمكاسب، ولكنّ الغدر ليس له قيمة عند الله، بل هو ضدّ القيمة، أتعرف كيف هو المرجع عندما يأتي النداء؟ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}[10]، {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ}[11].

ويقول(ع): "ولقد أصبحنا في زمان ـ وكأنّه يحدّثنا عن زماننا أيضاً، والأزمنة تتلاقى في كلّ الَّذين ينحرفون عن الخطّ باسم الله ـ ولقد أصبحنا في زمانٍ قد اتَّخذ أكثر أهله كيساً ـ يعني فطنةً وذكاء، فالَّذي يغدر في مفهوم هؤلاء ذكيّ، ألا يقال فلان ذكيّ وداهية، لأنّه يلعب على أكثر من حبل؟! ألا نتحدَّث عن كثير من الناس الذين يغدرون ويلفّون ويدورون بإعظام، ونعتبر ذلك ذكاءً وفطنةً؟ بينما هؤلاء هم أهل الجهل، لأنهم لا يعرفون عمق الأشياء، ولأنَّ الغدر يعيش في السَّطح ـ ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، ما لهم! قاتلهم الله ـ لأنهم ابتعدوا عن الله ـ قد يرى الحوَّل ـ وهو يتحدَّث عن نفسه ـ القلّب ـ وهو البصير الَّذي يحول الأمور ويقلبها ـ وجه الحيلة ـ فهل إنَّ عليّ بن أبي طالب(ع) الَّذي أعطى الفكر عمقه وامتداده وسموّه، لا يفهم اللّعب على الحبال ولا اللّفّ والدّوران؟

إنّه يفهم ذلك، ولكنّ الفرق بينه وبين الآخرين، أنهم إذا رأوا الحيلة أخذوها، بقطع النّظر عن أية نتائج سلبيّة أو إيجابيّة إزاء تكليفهم والتزامهم، ولسان حال عليّ يقول: أنا أسير والحيلة أمامي وأمر الله أمامي يقول لي قف، ونهي الله أمامي يقول لا تتحرَّك، فأقف وأنا أعرف الحيلة جيّداً ـ قد يرى الحوّل القُلّب وجه الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي عينٍ بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدّين"[12].

إذاً، عليّ(ع) يقول أنا أفهم السياسة جيّداً، وأفهم كلّ ألعاب السّياسة، وأفهم غدر السّياسة وانحراف السياسة، ولكنّ مشكلتي هي أنّني ولدت على الحقّ، وجاهدت من أجله، وأريد أن أموت على الحقّ، فلا يمكن أن يقترب الباطل مني، ولا يمكن أن أقترب من الباطل، حتى لو كان ربحاً. إنّه يقول أنا مع السياسة؛ سياسة الحقّ وسياسة العدل، لا سياسة الجور ولا سياسة الباطل، لأنَّ الإنسان المسلم المسؤول، هو الّذي يدير أمور النّاس من خلال ما يصلح أمرهم في العمق وفي السَّطح وفي الامتداد، فلا يستبطن إسلامهم كفراً، ولا تختزن استقامتهم انحرافاً في داخلها، هذا هو عليّ(ع) في السياسة.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى