الحكم في مفهوم ونهج الامام علي (ع)

2021.10.30 - 08:28
Facebook Share
طباعة

 قال الامام علي (ع): (وقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّه لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الْفُرُوجِ، والدِّمَاءِ والْمَغَانِمِ والأَحْكَامِ، وإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ، فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُه).

والنهمة في اللغة: (بُلُوغُ الهِمَّةِ، والشَّهْوَةِ في الشَّيء، وَمِنْهُ الحَدِيثُ: (مَنْهُومَانِ لاَ يِشْبَعَان، طَالِبُ عِلْمٍ، وَطَالِبُ دُنُيَا).
فلكي تنتظم الأمور خلق الله الخليفة قبل الخليقة، يقول الإمام علي (ع) في عهده لمحمد بن أبي بكر: (فَإِنَّهُ لَا سَوَاءَ، إِمَامُ الْهُدَى وإِمَامُ الرَّدَى، ووَلِيُّ النَّبِيِّ، وعَدُوُّ النَّبِيِّ).
وقد كان يحاسب بعض عماله الطامعين الذين يسلبون حق الرعية، وهذا ما وضحه كتابه إذ قال فيه: (أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ، إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ، وعَصَيْتَ إِمَامَكَ، وأَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ، بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ الأَرْضَ فَأَخَذْتَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْكَ، وأَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ، فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ، واعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ، والسَّلَامُ).
أسَّس الامام عَلِيٌّ (ع) نظامًا للحكم في عصره، بيَّن فيه المحاور الرئيسة التي يستند عليها الحاكم والمسؤول في تنظيم شؤون الدَّولة والشعب:
أولًا: ضرورة وجود الحاكم
لابدَّ من وجود نظامٍ يقنن أمور الشعب، وفي ذلك يقول الامام علي (ع): ((وإِنَّه لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِه الْمُؤْمِنُ، ويَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ، ويُبَلِّغُ اللَّه فِيهَا الأَجَلَ ويُجْمَعُ بِه الْفَيْءُ، ويُقَاتَلُ بِه الْعَدُوُّ وتَأْمَنُ بِه السُّبُلُ، ويُؤْخَذُ بِه لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ، حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ ويُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ)).
 يؤكد الامام علي(ع) هنا على ضرورة وجود الحاكم من أجل إقامة النظام بين أفراد الشعب وتنظيم الحقوق والواجبات.
ثانيًا: أن يكون الحكم وسيلةً لا غاية
يؤكِّد الامام علي (ع) على أن يكون التصدِّي للحكم وسيلة لإقامة النظام وإحقاق الحقوق وتنفيذ الواجبات وفي ذلك يقول الامام علي (ع): ((اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّه لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ، ولَا الْتِمَاسَ شَيْءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ، ولَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، ونُظْهِرَ الإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ، فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ)) .
ثالثًا: قيمة السّلطة في إقامة الحقوق وتنفيذ الواجبات
ينصُّ الامام علي (ع) على أنَّ السلطة مهما علا شأنها وعظم خطرها لا قيمة لها مالم تقم الحقَّ وتدفع الباطل، وبغير ذلك تكون بلا قيمة أو منزلة، بقوله: ((واللَّه لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ؛ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا)).
رابعًا: على الحاكم أن يكشف عن ذمَّته الماليَّة
أرسى الامام علي (ع) قاعدةً في بداية حكمه ، وهي الكشف عن ذمَّته الماليَّة أمام النَّاس؛ وقد طبَّق ذلك عمليًّا في أوَّل دخوله للكوفة عندما اجتمع النَّاسُ حوله بقوله: ((يا أهل الكوفة إذا أنا خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فأنا خائن)) .
خامسًا: أصول السياسة في إدارة الدَّولة
خطَّ الامام علي (ع) دستور ممكن التطبيق، وفي حال اعتماده يضمن للحاكم بسط النظام والقانون ، وكذلك يضمن للرعية حقوقها كاملةً، وهذا الدستور أوضحه في عهده المبارك لمالك الأشتر، وممَّا جاء فيه قوله: ((وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ، ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، ويُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ والْخَطَأ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّه مِنْ عَفْوِه وصَفْحِه ، وإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيه مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللَّه فَوْقَكَ وقُدْرَتِه مِنْكَ عَلَى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْه مِنْ نَفْسِكَ)) ،..
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى