أصول الحديث والكلام في نهج الامام علي (عليه السلام)

2023.09.03 - 09:49
Facebook Share
طباعة

 بين تقديم العقل، وتأخير اللسان، كان الناس صنفين، بحسب مقولته (عليه السلام):

"لِسَانُ الْعَاقِلِ وَرَاءَ قَلْبِه، وقَلْبُ الأَحْمَقِ وَرَاءَ لِسَانِه"([1])
فصنف قدَّم قلبه (أي عقله)، على لسانه مقوِّمًا له ومهذبًا إياه من الشطط والفلتات، فكان عاقلاً، وآخر أخَّر عقله وراء لسانه، فجعل من عقله تابعًا لسطوة لسانه، فكان أحمقًا، والمراد بهذا، أنَّ العاقل لا يطلق لسانه إلَّا بعد مشاورة الفكر، بينما الأحمق تسبق زلات لسانه، وفلتات كلامه مراجعة فكره، فكأنَّ لسان العاقل تابع لقلبه، وكأنَّ قلب الأحمق تابع للسانه وفي هذا توصيف رائع للحالة، ببلاغة لا نظير لها، وفي ذات المعنى أيضاً، يقول الامام علي (عليه السلام):
"قَلْبُ الأَحْمَقِ فِي فِيه، ولِسَانُ الْعَاقِلِ فِي قَلْبِه"([2])
كما أورد الامام علي (عليه السلام)، في نهجه الشريف بعضًا من الوصايا التي تحدُّ من غائلة اللسان، مدعِّمًا جانب الحكمة والعقل فيها على حساب التسرّع وقلّة التروّي، منها قوله:
"الْكَلاَمُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ، فَإذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ، فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ وَوَرِقَكَ، فَرُبَّ كَلِمَة سَلَبَتْ نِعْمَةً وَجَلَبَتْ نِقْمَةً"([3])
فالكلام أسيرك طالما لم تطلقه بلسانك، فإذا أطلقته أصبحت أنت أسيره، لذلك عليك التمعّن فيمن تطلق من عقالك، وعليك التنبّه بأنّ هناك تبعات على كلامك، وأنّك مسؤول عنه، أمام النّاس وأمام الله.
وكذلك، يوازن أمير المؤمنين (عليه السلام)، بين كثرة الكلام وبين تمام العقل، فيقول:
"إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَلاَمُ"([4])
ويقول أيضًا:
"لاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ، بَلْ لاَ تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ، فَإِنَّ اللهَ سبحانه قد فَرَضَ عَلَى جَوَارِحِكَ كُلِّهَا فَرَائِضَ يَحْتَجُّ بِهَا عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"([5])
 يتبين من هذا أن ضبط اللسان من علامات العقل، وعنه (عليه السلام)، أنّ الإنسان إنّما يُعرف من كلامه:
"تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا، فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ"([6])
ومن توجيهاته البليغة أيضاً في مسألة أصول الكلام، تنبيهه الشديد من وطأة الكلمات على النّاس، فربّ كلمات هي أقوى وأشدّ من ضرب السيوف وطعن الرّماح، فيشبه الكلام الجارح بأنه كرٌّ في الحرب، وصلة قتال:
"رُبَّ قَوْل أَنْفَذُ مِنْ صَوْل"([7]).
لا نجد هذا التهذيب، والتأديب الجامع المانع إلا في مدرسة أمير المؤمنين (عليه السلام)، فهو المفكّر والفيلسوف، وعالم الاجتماع، والعابد الزاهد، ورجل الكلمة والمواقف، كلّ هذا في آن معا.


[1]- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٨ - الصفحة ١٥٩.
[2]- المرجع السابق.
[3]- 387 - شرح نهج البلاغة ج19 ـ ابن أبي الحديد.
[4]- شرح كلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) - عبد الوهاب - الصفحة ٣٢.
[5]- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ٢٤٠٤.
[6]- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٤ - الصفحة ٢٧٧٦.
[7]- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٩ - الصفحة ٣٥٩.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى