قال الامام علي بن ابي طالب عليه السلام
"انْتَفِعُوا بِبَيَانِ اللهِ([1])، وَاتَّعِظُوا بِمَوَاعِظِ اللهِ([2])، وَاقْبَلُوا نَصِيحَةَ اللهِ، فَإنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَعْذَرَ إلَيْكُمْ بِالْجَلِيَّةِ([3])، وَاتَّخَذَ عَلَيْكُمْ الْحُجَّةَ، وَبَيَّنَ لَكُمْ مَحَابَّهُ([4]) مِنَ الأعْمَالِ، وَمَكَارِهَهُ([5]) مِنْهَا، لِتَتَّبِعُوا هذِهِ، وَتَجْتَنِبُوا هذِهِ، فَإنَّ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) كَانَ يَقُولُ: «إنَّ الْجَنَّةَ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ، وَإنَّ النَّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ([6])». وَاعْلَمُوا أنَّهُ مَا مِنْ طَاعَةِ اللهِ شَيْءٌ إلاَّ يَأْتي فِي كُرْه([7])، وَمَا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ شَيءٌ إلاَّ يَأْتِي فِي شَهْوَة([8]). فَرَحِمَ اللهُ رَجُلاً نَزَعَ عَنْ([9]) شَهْوَتِهِ، وَقَمَعَ([10]) هَوَى نَفْسِهِ، فَإنَّ هذِهِ النَّفْسَ أَبْعَدُ شَيْء مَنْزِعاً([11])، وَإنَّهَا لاَ تَزَالُ تَنْزِعُ([12]) إِلَى مَعْصِيَة فِي هَوىً. وَاعْلَمُوا ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يُصْبِحُ وَلاَ يُمْسِي إلاَّ وَنَفْسُهُ ظَنُونٌ([13]) عِنْدَهُ، فَلاَ يَزَالُ زَارِياً عَلَيْهَا([14]) وَمُسْتَزِيْداً([15]) لَهَا، فَكُونُوا كَالسَّابِقِينَ قَبْلَكُمْ، وَالْمَاضِينَ أَمَامَكُمْ، قَوَّضُوا([16]) مِنَ الدُّنْيَا تَقْوِيضَ الرَّاحِلِ([17])، وَطَوَوْهَا طَيَّ الْمَنَازلِ([18])"
([19]).
[2] وما فيه، وما في حياتكم من المواعظ.
[3] أعطاكم الحجج والبراهين الجليّة الواضحة.
[6] أي عليك أن تقاسي ما تكره حتى تستطيع دخول الجنة، وإذا غرقت في الشهوات فإن النّار هي مثواك.
[7] يتجلى لأنفسنا فيما نكره.
[8] تتزين لنا المعصية على شكل شهوات.
[11] تنزع وتميل إلى هواها، وعلى هذا جُبلت.
[13] كالبئر، لا يعرف أفيها ماء أم لا.
[14] عائباً عليها، أي يبقى عائباً على نفسه تلك الخصال الرديئة، ولكنه مع ذلك يتبعها.
[15] يطلب المزيد من الشهوات رغم إعابته على نفسه ذلك.
[16] قوّضوا، أي انزع أعواد خيامكم استعداداً للرحيل.
[18] طووها كخيام البدو، أي كونوا مستعدّين للرحيل في أي لحظة.
[19] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٠ - الصفحة ١٦.