النفوذ والتأثير في كلمات الامام علي عليه السلام

2022.02.26 - 09:58
Facebook Share
طباعة

 كان الذين يجلسون إلى منبره فيستمعون إليه يتأثرون بكلامه كثيرا، إذ كانت مواعظه تهز القلوب وتسبل الدموع. والآن أيضا من ذا يسمع وعظه أويقرأه فلا يهزله وهذا السيد الرضي (ره) يقول بعد نقله الخطبة المعروفة بالغراء [٤] .
«وفي الخبر أنه (ع) لما خطب بهذه الخطبة اقشعرت لها الجلود، وبكت العيون، ورجفت القلوب. ومن الناس من يسمي هذه الخطبة الغراء».
وكان همام بن شريح من أصحابه (ع) من أولياء اللّه وأحبائه متيّم القلب بذكره، فطلب من الإمام (ع) بإصرار أن يرسم له صورة كاملة للمتقين، وكان الإمام (ع) يخاف عليه أن لا يتحمل سماع كلماته، فاقتصر على جمل مختصرة إذ قال: «اتق اللّه يا همام وأحسن، فإن اللّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون» ولكن لم يقنع بهذا همام بل إذ داد شوقه إلى كلامه (ع) أوارا وضرما، فأصر عليه أكثر من ذي قبل حتى أقسم عليه فبدأ الإمام (ع) خطبة عد فيها (١٠٥) من أوصاف المتقين [٥] .
وكلما أدام الإمام كلامه وصعد في صفات المتقين ازداد إضطراب نفس همام كأنها طير يحاول أن يكسر قفصه فيخرج منه وفجأة قرعت أسماع الحاضرين صرخة مهولة جلبت أنظارهم إلى صوب همام ولم يكن الصارخ سوى‌ همام، فلما وقفوا عليه رأوا أن روحه قد خرجت من جسمه إلى رحمة اللّه ورضوانه. فقال الإمام (ع): «أما واللّه لقد كنت أخافها عليه. ثم قال: هكذا تفعل المواعظ البليغة بأهلها».
نعم، هكذا كان أثر نفوذ كلام الإمام (ع) في نفوس سامعيه.
ب- قالوا فيه
كان علي (ع) هوالشخص الوحيد الذي اهتم الناس بحفظ كلماته (ع) وضبطها في بطون الصحائف والقلوب.
فهذا ابن أبي الحديد ينقل لنا عن الكاتب عبد الحميد بن يحيى [٦] الذي كان يضرب به المثل في الكتابة والخطابة في أوائل القرن الثاني الهجري، أنه كان يقول: «حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع، ففاضت ثم فاضت».
وينقل الدكتور علي الجندي: أن عبد الحميد سئل: أنى لك هذه البلاغة فقال: «حفظ كلام الأصلع» [٧] .
وكان عبد الرحيم بن نباتة وهوالذي كان يضرب به المثل في خطباء العرب في العهد الإسلامي، يعترف بأنه إنما أخذ ماله من ذوق وفكر وأدب عن الإمام (ع) ويقول- على ما نقله ابن أبي الحديد في مقدمته لشرح النهج: «حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الإنفاق إلا سعة وكثرة، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب (ع).
وكان الجاحظ- وهوالأديب العارف بالكلام وفنونه، والذي يعد نابغة في الأدب في أوائل القرن الثالث الهجري، ويعدّ كتابه (البيان والتبيين) أحد أركان‌ الأدب الأربعة [٨] .
- يكرر في كتابه الإعجاب والثناء على كلام الإمام (ع).
ويبدومن كلامه انتشار كلمات كثيرة عن الإمام (ع) بين الناس على عهده.
ينقل الجاحظ في الجزء الأول من (البيان والتبيين) [٩] آراء الناس في الثناء على السكوت وذم كثرة الكلام، فيعلق عليها يقول: «الإسهاب المستقبح هوالتكلف والخطل المتزايد، ولوكان هذا كما يقولون لكان علي بن أبي طالب وعبد اللّه بن عباس أكثر الناس فيما ذكروا».
وفي نفس الجزء الأول ينقل هذه الكلمة المعروفة عن الإمام (ع): «قيمة كل امرى‌ء ما يحسنه» ثم يثني على هذه الجملة ما يبلغ نصف صفحة الكتاب ويقول: «فلولم نقف من كتابنا هذا إلّا على هذه الكلمة لوجدناها كافية شافية، ومجزية مغنية، بل لوجدناها فاضلة على الكفاية وغير مقصرة عن الغاية. وكأن اللّه عزّ وجلّ قد ألبسه من الجلالة وغشاه من نور الحكمة على حسب نية صاحبه وتقوى قائله».

وكان ابن أبي الحديد من علماء المعتزلة في القرن السابع الهجري، أديبا ماهرا وشاعرا بليغا. وهوكما نعلم مغرم بكلام الإمام (ع) مكررا إعجابه به في كتابه ومقدمته: «وأما الفصاحة: فهو(ع) إمام الفصحاء وسيد البلغاء، وفي كلامه قيل: دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق، ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة... وحسبك أنه لم يدوّن لأحد من فصحاء الصحابة العشر ولا نصف العشر مما دوّن له، وكفاك في هذا الباب ما يقوله أبوعثمان الجاحظ في كتاب (البيان والتبيين) وفي غيره من كتبه. [١١]

المصادر
٤] . الخطبة ٨٢ ص ٢٧٦ – ٢٤١ ج٦ من شرح النهج لابن ابي الحديد بتحقيق محمد ابوالفضل .
[٥] . الخطبة : ١٨٦ ص١٤٩ – ١٣٢ ج ١ من شرح النهج لابن ابي الحديد ط ابوالفضل .
[٦] . كان كاتبا لمروان بن محمد اخر الخلفاء الامويين من اصل ايراني وهوشيخ ابن المقفع العالم والكاتب الشهير في الدولة العباسية . وقد قيل فيه : بدات الكتابة بعبد الحميد واختتمت بابن العميد وزير البويهيين . (المؤلف ) .
[٧] . الاصلع : من انحسر شعر مقدم راسه – فعبد الحميد مع اعترافه بكلامه هذا بفضل الامام عليه السلام وكماله يذكر الامام بنبز اللقب وذلك بحكم انتمائه الى بني امية – المؤلف .
[٨] . والاركان الثلاثة الاخرى هي : ادب الكاتب لابن قتيبة , والكامل للمبرد , والنوادر لابي علي القالي – ابن خلدون – المؤلف .
[٩] . البيان والتبيين ص ٢٠٢ .
[١٠] . ص ٤٥ ج١ من شرح النهج لابن ابي الحديد ط ابوالفضل .
[١١] . مقدمته ج ١ ص ٢٤ ط ابوالفضل .

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى