العدل والانصاف والمساواة في منهج الامام علي (ع)

د. منال فنجان

2022.02.26 - 11:36
Facebook Share
طباعة

وددت أن أُشير الى بعض المصطلحات في علم اللغة والنحو والمرادفات والمفردات والاصطلاحات، هناك مصطلحات ومفردات ترد الى مسامعنا، منها العدل منها العدالة ومنها الأنصاف ومنها المساواة، لكل منها معنى مختلف عن الاخر، هم لا يجتمعون في كل المعنى على صورة مطلقة بل يجتمعون في بعضها بصورة نسبية.

وأننا إذ نتحدث اليوم عن إنصاف الامام علي (عليه السلام) وعن عدالتهِ وعن مساواتهِ وعن عدله، فإننا وددنا الخوض في تلك المفاهيم من وجهة نظر قانونية للدولة التي أرسى مفاهيمها الامام بمعناه الحديث المعاصر، وكما هو معروف في القانون لدينا، هناك تعريفات لغوية واحياناً دينية فقهية واحيانا تعريفات قانونية واجتماعية فيعرف العدل بانه وضع الامور وفق وجوهها وقضائها ومقدارها دون افراط ولا تفريط وفي اوقاتها دون تقديم ولا تأخير، وهذا هو ما نسميه في القانون بالمساواة المطلقة المجردة وبهذا المعنى، لايستطيع البشر العادي على تطبيقه الا من وقف على الحكم كل الحكم سواء كان حكماً شرعياً الهياً او كان حكما واقعياً ووضعياً.

كان الامام علي عارفاً بالحكم الشرعي الالهي ولكنه واقعيا حيث سخر ما يملك من الحكم الإلهي العارف به ومازج به واقع الحياة بظروفها وملابساتها.

اما العدالة فهي قانونا نعني بها المساواة غير المجردة بمعنى المساواة الواقعية التي تنزل الى الظروف المحيطة والملابسات الثانوية والفروع الاخرى الصغيرة التي تمس كل انسان على حدة لتصل الى نتيجةٍ اسمها الانصاف.

الانصاف معناه هو الشعور بالرضى (الرضى النفسي) بالحكم فهو لايعني المساواة بل هو الشعور بالرضى للحكم، اذن (العدل) متعلق بالفرض و(الانصاف) متعلق بالحكم، الشعور بالرضى لا يعني احيانا ان نكون متساويين في جهة واحدة، انصاف الآخر واشعاره بالرضى قد يكون احيانا فيه ميلٌ نحوه اي اشعاره بالرضى ايثاراً منا له وهذا ما عبر عنه الامام علي عندما قال لو ثُنيت لي الوسادة لقضيت بين اهل التوراة بتوراتهم وأهل الانجيل بإنجيلهم واهل الفرقان بفرقانهم لعلمه بالحكم، الحكم الإلهي، كان بإمكانه واستطاعته ان يحكم، بما يملك من معرفة الحكم الإلهي، دون الرجوع للتوراة او الإنجيل ولكن ارضاءاً لهم نزل إلى ما يعتقدون من اسانيد وهذا هو الانصاف.

اذن عندما نتحدث عن المنظومة القانونية التي أنشئها حكم علي (عليه السلام) التي هي كانت امتداداً لسلالة النبوة، هذه المنظومة مهما شققنا وفرعنا عنها وجدنا بأنها مصداق لكل النظريات الحديثة القانونية التي تحكم حياة البشر في الوقت الحالي تحت مسميات، كانت تسمى الإدارة الجيدة ومرة الإدارة الصالحة ومرة تسمى بنظام الحكم الرشيد والتي تستند إلى مقومات اساسية (مقومات الحكم الرشيد) منها، الشفافية، العدالة ثم تساوي وتكافل الفرص للجميع وحاكمية المؤسسات القانونية اي بمعنى ان كل المقومات لاعبرة لها ان لم تشع روح القانون بمعنى حاكمية القانون على الجميع.

هذا ما حققه الامام علي في القضاء وفي الشرطة والداخلية فهو اول من اقام السجون للإصلاح واول من اسس للشرطة الاجتماعية في الحياة، اول من اسس للشروط العامة في القضاء التي هي امتداد لمنهاج النبوة حيث وضع معايير لتولي الوظائف العامة منها الكفاءة العلمية والشخصية، وحق التنافس وتكافل الفرص والمساواة أمام مؤسسات الدولة وان كانت مسمياتها مختلفة وعدالة التوزيع والانتاج وهذا ما اثبت مصداقيته في قصته المشهورة والكل يعرفها مع اخيه عقيل عندما كان من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث كان ضريراً وأراد حصة اضافية من الطحين يعيل بها نفسه وعياله لكنه عليه السلام اعطى له من حصتهِ الشخصية ولم يؤثره على الاخرين، انطلاقا من مبدأ عدالة التوزيع والكل متساوون في الحقوق وانعدام المحسوبيات والمنسوبيات، التي هي من أولى مقومات الحكم الرشيد، لذلك نقول بان المجتمعات تزدهر وتنمو بوجود العدل.

حيث ان لكل الدول ان تتطور في حال انها استندت الى مبدأ اساسي في الحكم وهو العدل الذي منه تتحقق التنمية بفروعها كافة الاقتصادية، الاجتماعية، العمرانية، الثقافية والسياسية التي هي بالمفاهيم الحديثة نسميها التنمية المستدامة والتي تتضمن احترام حقوق الإنسان والتطور والعمران ومبادئ الحكم الرشيد وسيادة القانون.

وهذه هي شرعة ومنهاج الله على الأرض بسيرة انبيائه وسلسلة النبوة منذ آدم عليه السلام وانتهاءً بمحمد (ص) في نظرية استخلاف الانسان على الأرض وفق معادلات ثابتة وضعها الله تعالى حيث قال لن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.

نرى كل المجتمعات والدول تطور من قوانينها َكجهد بشري ينطوي تحت مسمى المدرسة التجريبية للوصول الى نتيجة اسمها العدل او العدالة.

والسؤال الذي يرد.. لماذا ؟

لأن العدل او العدالة تخلق حالة النظام والنظام يخلق الاستقرار والاستقرار يخلق حالة الابداع والابداع يجعل من المجتمع آمن.

اذن بهذه المعادلة التي كان يفهمها النبي (ص) كما فهمها الامام علي (عليه السلام) بهذه الاساليب نستطيع ان نبني الدولة العادلة المستديمة، المتنورة، الناهضة، المتطورة، يحترم فيها الجميع حتى الجماد والحيوان، كما كان الإمام علي يقول خذوا هذه الحبوب وذروها على رؤوس البوادي لتأكل منها الطير حتى لا يقال ان طيرا جاع في زمن علي.

كل هذه المقومات والاليات والمطالب والمناهج كانت مفهومة لدى الامام علي (عليه السلام) ولكن الظرف الذي كان يعيشه الامام علي (عليه السلام) كما كان الذي يعيشه النبي (ص) كما عاشه بعده ابناءه الى العصر الاخر المنتظر الذي نحن ننتظره حيث ان الجهل السائد في تلك المجتمعات ادت إلى ان يُحارب ويُقاتل ويَقتل اصحاب المشاريع التنموية حيث كل أنبياء الله حوربوا وقتلوا حيث قال النبي الأكرم ما اوذي نبي مثلما اوذيت.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى