مفهوم اقامة عقوبة الحدود في نهج الامام علي (ع)

2021.09.30 - 08:54
Facebook Share
طباعة

 تعدُّ الجرائم الماسّة بأمنِ المُجتمع الاقتصادي واستقراره مِن الجرائمِ ذات الأثر في تدهورِ اقتصاد الدّولة واضمحلاله، وقد عملَ أمير المؤمنين (عليه السلام) على مواجهةِ الجرائم التي تمس أمن المجتمع من خلالِ تطبيق الحُدود على مُرتكبيها، والتي كانَ لها أثرٌ في تحقيقِ الأمن والاستقرار الاقتصادي في الدّولة،.

حد السرقة
في العرف العام الإنسان مُحترم، ويُحترم كلّ ما يمت إليه،  والاعتداء عليه يعني اعتداء على كرامته، لذلك نجد الشريعة الاسلامية توجه الخِطاب لكافّة المُؤمنين  وتأمرُهم باحترامِ حقوق بعضهم بعضًا، بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) ، فالشّريعة الإسلامية حَرَصت على صيانةِ كرامة الانسان من خلال احترام ملكيته المادية الضرورية في الحياةِ الإنسانية، ومن أجلِ ذلك فتحت الشّريعة للإنسان أبواب الكَسب الحَلال مِن خلال العملٍ ، وفي الوقتِ ذاته شرعت عقوبة لمن يتجرأ على أملاك غيرهم ، وتمثلت هذه العقوبة بالحدّ الشّرعي (القطع) ، وقد أشارَ الإمامُ علي (عليه السلام) إلى كيفية هذه العقوبة بقوله (عليه السلام): (تقطعُ يد السارق مِن أصل الأصابع الأربع، وتدع لهُ الراحة (الكف) والإبهام، وتُقطع الرّجل مِن الكعب، وتُدع له العقب يمشي عليها)
وإنّ هذهِ العقوبة القاسية لم تُوضع اعتباطا، وإنّما هي مَبنية على أسسٍ مِن عِلم النّفس وطبائع البشر، لأن الذي وضعَها هو الخالق (عز وجل)،  يظهر أنّ الدافع مِن السّرقة يرجعُ إلى الرّغبة في زيادةِ الكسبِ، وقد حاربت الشّريعة هذا الدّافع في نفسِ الإنسان بتقرير عقوبة القطع، لأن قطعِ اليد أو الرجل يُؤدي إلى نقصِ الكَسب، ومن ثم أنّ هذا النّقص يدعو إلى كثرة العمل والخوف الشديد على المستقبل.
ومِن هذا المُنطلق كانَ لحد السرقة في عهدِ الإمام علي(عليه السلام) أثر كبير في تحسينِ الأيدي العاملة وزيادتها، فعند تطبيق هذا الحد سوف يردعُ الأفراد عن ارتكابِ الجّريمة واللجوء إلى الكسبِ الحلالِ بدل السّرقة ويلتجئونَ إلى العملِ وخير مثال على ذلك هو ما روي عن الحارث بن حصيرة قالَ: (مررتُ بحبشيّ وهو يستسقي بالمدينةِ وإذا هو أقطع، فقلتُ له مَن قطعَك ؟ فقالَ: قَطعني خير النّاس، إنا أخذنا في سرقة ونحن ثمانية نفر، فذهبَ بِنا إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأقررنا بالسّرقة فقالَ لنا تعرفونَ أنّها حرام؟ قُلنا: نَعم فأمر بنا فقطعت أصابعنا مِن الرّاحة وخليت الإبهام، ثمّ أمر بِنا فحبسنا في بيتِ يطعمنا فيه السمن والعَسلِ حتى برأت أيدينا فأخرجنا وكسانا فأحسن كسوتنا، ثمّ قالَ لنا: إن تتوبوا وتصلحوا فهو خير لكم، يلحقكم الله بأيديكم إلى الجّنة، وإن لا تفعلوا يلحقكم بأيديكم إلى النار) .
أن العقوبة التي أنزلها الإمام علي (عليه السلام) بالجّاني كانَ لها أثرها في إصلاحهِ وتوبته مِن الجريمة التي ارتكبها، ودليل ذلك أنّه كانَ يعملُ في حقلِ السّقاية، أي أنّه تركَ السّرقة والتجأ إلى العملِ، وبهذا يتضحُ أن هدف الإمام علي (عليه السلام) مِن تطبيقِ حدّ السّرقة هو قطع دابر الجريمة في المُجتمعِ وإصلاح المُجرمين، وكما توضحه لنا الرواية هو تزكية المجتمع من الجريمةِ بإصلاحِ المُذنبين وفتح باب التوبة أمامهم، قال تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ الله يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى