الإمام عليّ بن أبي طالب في نظر الفلاسفة وأرباب الفكر الغربيين (ج2)

2021.09.30 - 09:33
Facebook Share
طباعة

يتربّع الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)، على عرش التفرّد في الفكر والفلسفة من بين جميع الشّخصيات الإسلاميّة التي تتلمذت على يد نبيّ الإنسانيّة محمد (ص)، فما من أحدٍ من الصحابة الكرام، قد بلغ مقدار ما بلغه أمير المؤمنين عليّ من المنزلة الفكريّة في نفوس الدّارسين للعلوم الإنسانيّة، حتّى تلك الشذرات المضيئة التي تُنسب لفلان أو فلانٍ من شخصيّات التراث الإسلامي، نجدها بعد التحقق والتمحيص مسروقة منهوبةً من سيرة الإمام عليّ ومنسوبة زوراً إلى تلك الشخصيّة. الأمر هذا معروف لدى الباحثين، ومشهور لدى العامّة، وكلّ هذا إنّما هو تعزيز لمكانة أمير المؤمنين، فإصرار أصحاب النيّات المريبة في نسب صفاتٍ لأمير المؤمنين إلى غيره من الشخصيّات، لهو دليلٌ دامغٌ على أنّ أمير المؤمنين إنّما هو النّموذج الإنسانيّ المتكامل، الذي يحبّه الجميع، ويطمحون أن يكونوا على صورته.
إذ ابتعدنا قليلاً عن الجو التاريخي، وتداخل الأخبار في عظمة ونبوغ الإمام عليّ (عليه السلام)، وركّزنا فقط على أقوال فلاسفة الفكر الحرّ، ومنظّري الفكر الإنساني، بغضّ النّظر إلى جنسيّاتهم، وعقائدهم، ومذاهبهم، ومشاربهم، فإننا نجد مصاديق لهذا الكلام دون أدنى شكٍّ أو لبس، فالمفكرون الأمميّون ليسوا في وارد إظهار الحجّة على فرقةٍ من الفرق بأحقيّة عليّ بن أبي طالب للخلافة، أو مفاضلته على من هم دونه في المنزلة، أو تحقيق هنا، أو تفنيد خبرٍ هناك، فهؤلاء النّاس هم أبعد ما يكون عن هذه الدربكة الفكريّة التي لا طائل منها. بل هم مفكّرون، محققون، علمانيّون، لا يرضخون إلا للعقل، ولا يعنيهم النّقل إلا في حدود البحث العلمي المنهجي الأكاديمي، فإذا أردت مثلاً أن تُظهر حقيقة علميّة فإنّك تلجئ في هذا إلى العلماء، وليس إلى المتدينين، تماماً كما تقصد الطبيب في مرضك، وتبتعد عن المشعوذين والدّجالين.
استناداً لما سبق، ولإيماننا بالعلم والفكر الحرّ، الذي لا ينتسب إلى دين أو عرقٍ أو طائفةٍ أو مذهب، سنقوم وإيّاكم برحلة في عالم الفكر العلوي، رباننا فيها علماء وفلاسفة ومفكّرون عالميّون مشهودٌ لهم بالنّزاهة العلميّة، والأيادي البيض على التراث الإنساني قاطبة.
 
- الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي[1]، والامام عليّ (ع):
 
ارتبط اسم الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي بالرواية التي حدّث بها تلميذته، حول وصيّة الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لولديه الحسن والحسين، فقد لفت انتباه إحدى الطالبات في جامعة السوربون العريقة، حيث كان يمارس غارودي التدريس لمدّة لا بأس بها، كثرة استشهاد المفكر الكبير بأقوال للإمام عليّ أمام طلابه، فسألته الطّالبة عن سرّ انجذابه لشخصيّة تنتمي إلى فكر إسلامي دموي -بحسب زعمها- فصمت غارودي قليلاً تاركاً الطّالبة تكمل سؤالها قائلة: "أنت مدرسي وأنا احرص على قراءة كتاباتك ومقالاتك وحضور محاضراتك، وقد لفت نظري انك تتكلم دائماً عن شخص مسلم اسمه عليّ، فـمن هو عليّ؟  ولماذا أثرّ فيك كل هذا التأثير؟". أجابها غارودي: "عليّ هو ابن عمّ نبيّ الإسلام محمّد، وزوج ابنته، وقائده العسكريّ، وكان الرجل الثاني في الإسلام بعد محمد، وخليفته، وهو شخصية فذّة لا مثيل لها. دعيني أنا الآخر أسألك سؤالاً لنتبين حالة أو جزءً بسيطاً من هذه الشخصيّة". قالت الطالبة: "تفضل"، فسألها غارودي برويّة: "لو أنّك عبرت الشارع وجاءت سيارة مسرعة وصدمتك، ماذا سيحصل لك؟"، فأجابت: "سأموت حالاً، أو يُغمى عليّ!"، فأجاب غارودي: "هذا الرّجل الذي تسألين عنه، تعرّض لضربة سيف وهو ساجد يصلّي، وقد وصلت الإصابة إلى داخل تجويف الجمجمة، أي أنّها وصلت إلى الدّماغ، فماذا تتوقعين منه؟"، فأجابت: "سيموت حالاً أو سيفقد الوعي في احسن تقدير"، فقال لها غارودي: "تصوّري أنّ هذا الرّجل لم يمت في حينها، ولم يفقد الوعي، لقد وصلت الضّربة إلى أعماق أعماق المخ، هناك حيث تقبع الحكمة والمعرفة، لكن دون أن يفقد وعيه، أو يحصل له ما يحصل للبشر في مثل هذه الحالات، وبعد يوم واحد فقط، راح يُملي وهو على فراش الموت، والضربة القاتلة نافذة في أعماق المخ، وصية الى ابنه البكر الحسن (ع)، هي أروع ما عرفه التّراث الإنساني عبر تاريخه على الاطلاق، تتضمن الحكمة والموعظة والتوادد، وقد بقي بكامل وعيه، وأملى أجمل وصية من أب لولده في تاريخ الإنسانية" .قالت الطّالبة وقد بدا عليها التّأثّر: "وماذا قال فيها؟"، أجاب غارودي: "سأروي لك بعض منها، قال لأبنه الحسن، ارفق يا ولدي بأسيرك (القاتل)، وارحمه، وأحسن إليه، واشفق عليه، بحقي عليك أطعمه يا بني مما تأكله  واسقه مما تشرب! ولا تقيّد له قدماً، ولا تغلّ له يداً، فإن أنا متّ فاقتصّ منه، ضربه بضربة، ولا تحرقه بالنّار، ولا تمثّل بالرّجل، فإنّي سمعت جدّك رسول الله يقول، إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور، وإن أنا عشت، فأنا وليّ دمي، وأولى بالعفو عنه". 
العبرة في قصّة غارودي تلك، هي أنّ عليّاً (عليه السلام)، كان الخليفة والآمر النّاهي، وخليفة رسول الله، بينما ابن ملجم (القاتل) كان شقيّاً مضللاً، ولا يوجد أي عتبٍ على الخليفة وقتذاك إن عمل بالمبدأ الجاهليّ بالاقتصاص فوراً من القاتل، بل وبالتنكيل به، فهذا عليّ أشرف النّاس، وذاك ابن ملجم أشقى النّاس، وليس من المنطق العرفي المساواة بين أشرف النّاس وأشقاهم، فقصّة الزّير سالم كانت قريبة العهد من ذاك التّاريخ، وهو الذي أطلق حرباً دامت عشر سنين وراح ضحيّتها الألوف من بني تغلب وبني بكر بن وائل، ثأراً لزعيم تغلب كليب ربيعة. لكنّ هذا عليّ، إمام الإنسانيّة، معلّم المبادئ، تلميذ مدرسة النّبوّة، فهل عساه يأذن ببحر من الدّماء مقابل ما أصابه؟ كلا، بل أعطى مثالاً بالسماحة والحلم، فهو وليّ دمه إن عاش، وهو أولى بالصّفح عن الرّجل، وإن مات من الضّربة، فإنّما هي ضربة بضربة، وهذا هو المبدأ القانوني العادل في كلّ الشرائع، إذ لا بدّ من القَصاص، حتّى لا تستشري الجرائم في المجتمع. وعلينا ألا نغفل الجانب الإنساني المهم الذي سبق القانون الدّولي الإنساني بأربعة عشر قرناً، حين أوصى ولده بالإحسان إلى الأسير، وإطعامه، وسقياه، وعدم إغلال يديه ورجليه بالقيود.
لعمري إنّ هذا مدعاة للاستشهاد بعلي، في عقر دار الأمم التي تدّعي الإنسانيّة والحضارة، وقد أظهر غارودي بمثاله هذا حجّته، وتمّ التصفيق له في القاعة بحماس كبير بعد أن انتهى، كما شكرته الطّالبة وهي لا تكاد تكفكف دموعها.
 
 
 
- الفيلسوف الإنكليزي كارليل (1795- 1881)[2]:
 
ما يكاد يأتي كارليل على ذكر "الإمام عليّ" في اسلامياته، حتى تهزّه الشخصيّة العلوية من اعماقه، ويندى قلمه من تلقاء ذاته، ليتغنّى ببطولات "الإمام عليّ"، حتى ليشعر القارئ بأنّ صاحب هذا القلم إنما هو من أهل العقيدة الرّاسخة في الإسلام وفي حبّ عليّ (عليه السلام).
يقول "كارليل" في جملة ما يقول في كتابه (محمد المثل الأعلى): "أما عليّ فلا يسعنا إلا ان نحبّه ونعشقه، فإنّه فتىً شريف القدر، عالي النفس، يفيض وجدانه رحمة وبراً، ويتلظّى فؤاده نجدةً وحماسة. وكان أشجع من ليث، ولكنّها شجاعة ممزوجة برقة ولطف، ورأفة وحنان، جدير بها فرسان الصليب في القرون الوسطى. وقد قتل بالكوفة غيلةً، وإنّما جنى ذلك على نفسه بشدّة عدله، حتى أنّه حسب كلّ إنسان عادلاً مثله".
يستغرب كارليل أيضاً، الإنسانيّة والسّماحة في نفسه، وهو الأمر المستغرب من حاكم تعرّض للاغتيال وكلّ همّه وضع قاتله، إذ أوصى بإطعامه، وسقياه، ثمّ قال قبل موته حينما أستشير في أمر قاتله: "إن أعش فالأمر لي وإن أمت فالأمر لكم، فإن آثرتم أن تقتصوا فضربة بضربة، وإن تعفوا فهو أقرب للتقوى".
 
- هنري كوربان[3](1903-1978):
 
هنري كوربان فيلسوف ومستشرق فرنسي اعتنى بتاريخ الفلسفة الإسلاميّة،تحدّث كوربان عن الإمام (عليه السلام) في كتابه (تاريخ الفلسفة الإسلامية)، فذكر نصّاً يتّصل بعلاقة الإمام بالنبي (ص)، إذ رأى كوربان أنّ الإمام من بين البشر جميعًا هو أقرب الناس إلى الرسول، تربط بينهما قرابة روحية، ونسب معنوي قبل القرابة الدنيوية الزمنية، مستدلًّا على ذلك بما يروى عن النبي قوله: "أنا وعليّ من نور واحد".
مما قاله أيضاً بما يختصّ بكتاب (نهج البلاغة)، إذ كشف كوربان عن قيمته ومنزلته، ومرجعيته الدينية والفلسفية والأدبية، قائلًا: "الكتاب عبارة عن مجموعة خطب الإمام الأول عليّ بن أبي طالب، بما فيه من مواعظ وأحاديث ورسائل، وتأتي أهميّة هذا الكتاب في الدرجة الأولى بعد القرآن وأحاديث النبي، ليس بالنسبة للحياة الدينيّة في التشيع عمومًا وحسب، بل بالنسبة لما في التشيّع من فكر فلسفي. ويمكن اعتبار نهج البلاغة منهلًاً من أهمّ المناهل التي استقى منها المفكّرون الشيعة مذاهبهم والتي كانوا ينادون بها... وإنّك لتشعر بتأثير هذا الكتاب بصورة جمّة من الترابط المنطقي في الكلام، ومن استنتاج النتائج السليمة، وخلق بعض المصطلحات التقنية العربية التي أدخلت على اللغة الأدبية والفلسفية، فأضفت عليها غنى وطلاوة، ذلك أنّها نشأت مستقلّة عن تعريب النصوص اليونانيّة... ونحن عندما نعود إلى أحاديث الإمام مع تلميذه كميل بن زياد، عندما يجيب عن هذا السؤال: ما هي الحقيقة؟ وعندما يصف التعاقب الباطني للحكماء في العالم.. إلخ، نجد في هذه الصفحات نموذجًا خاصًّا من التفكير يتّسم بطابع يميّزه عن غيره".
 
- جرهارد كونسلمان[4]:
 جرهارد كونسلمان كاتب ألماني مهتم بالمنطقة العربية، ومتابع لما يجري فيها من أحداث وتطوّرات، له كتابات ومؤلفات في هذا الشأن تتّسم بالرّصد وحسّ المتابعة، نشر كتابًا عن إيران يؤرّخ فيه حدث الثورة في عقدها الأول الممتد من سنة 1979م إلى سنة 1989م.
افتتح كونسلمان كتابه بمدخل تاريخي موسّع، جاء بعنوان: (محمد وعليّ)، تحدّث فيه عن العلاقة العميقة بين النبيّ والإمام، متتبعًا أطوار هذه العلاقة، مبتدئًا من هجرة النبيّ من مكّة إلى المدينة، مستندًا في مرويّاته إلى ابن إسحاق وسيرته النبويّة، مضمّنًا فيه بعضًا من نظراته، وانطباعاته عن الإمام، منها أن الإمام هو أول إنسان آمن بالعقيدة الإسلاميّة بعد النبي محمد، وتعلّم أن يثق بمحمد، فقد أقام في بيته منذ كان طفلًا.
ومن استشراقات كونسلمان وانطباعاته ما أشار إليه حينما تحدّث عن تولي الإمام الخلافة، وسعيه لإعادتها إلى المبادئ التي أرساها النبي، قائلًا: "وقد حاول عليّ كخليفة إعادة فكر المؤمنين مرّة أخرى إلى أصوله الأولى، أيّ إلى المبادئ التي أرساها النبي، فأحسّت النخبة في مكّة، والمدينة بثوريّة هذا الرّجوع إلى الأصل بالذات، إلَّا أنّهم كانوا يرون أنّ زمن الثّورة قد ولّى".
ومن كتابه أيضاً، ما أشار إليه حين تحدّث عن نقل الإمام الخلافة من المدينة إلى الكوفة، وكيف استطاع أن يطبّق فيها مبادئ حكمه، قائلًا: "وصار لعليّ في بلاد الرّافدين سلطة لا ينازعه فيها أحد، واستطاع في هذه البلاد أن يطبّق مبادئ حكمه، وأن يحقّق في الواقع مبادئه المثالية كحاكم عادل، ولم يستطع أحد أن يقول عنه أنّه ارتكب باطلًا".
 
- يان ريشار[5]:
 يان ريشار كاتب وباحث فرنسي، أستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة السوربون، له كتابات وتأليفات عدّة في حقل الإسلاميات، قدّم ريشار في كتابه الصادر سنة 1991، بعضًا من رؤيته المتأصّلة عن الإمام، منها ما أشار إليه عند حديثه عن علاقة الإمام بالنبيّ، وكيف أنّه كان قريبًا منه، قائلًا: "إن عليًّا هو ابن أبي طالب عمّ النبي، وكان قد كفل النبيّ بعد موت جدّه الكفيل الأول له، وعلى ذلك فقد كان أخًا للنبي، وكان قريبًا جدًّا منه، ومن المعروف أن عليًّا نام في فراش النبي ليلة هربه إلى المدينة حتّى لا يقتله الكافرون المكّيّون... فضلًا عن أنّه أوّل من آمن برسالة ابن عمّه، وكان عليّ محاربًا، وأمين سرّ النبي وسفيره في بعض الأحيان".
ومن انطباعاته أيضاً، ما أشار إليه عند حديثه عن تسلّم الإمام الخلافة، مميّزًا حكمه قائلًا: "والحق أن المسلمين السليمي النية، يتّخذون من عليّ نموذجًا، كما لو أنّه حتى في القرن العشرين لا يزال أمثل صورة للنظام الإسلامي السياسي، ومع أنّه ما من أحد يضع موضع الشك استقامة عليّ وفضيلته، ولا سيّما خلال انتظاره دوره في ممارسة الحكم، فإنّ الخلافات الكبرى والانقسامات المذهبيّة التي لا تقبل الانعكاس قد تمّت في أيامه".
مما استنتجه ريشار كذلك، ما أشار إليه ريشار عند حديثه عن كتاب (نهج البلاغة)، مثنيًا عليه قائلًا: "لا شكّ أن أقوال عليّ ومواعظه ورسائله، التي جمعت بعد ثلاث مائة عام من استشهاده في كتاب هو نهج البلاغة، تشهد على خلق عظيم، أمام الأسلوب كما يراه بعض الكتّاب العرب فإنّه فيما اشتمل عليه من نصائح كريمة، ذات فضيلة نادرة، يبدو كجوهرة من جواهر الأدب العربي".

- المؤرخ والمستشرق الفرنسي البارون كارديفو[6](1867- 1953):
 
قام كارا ديفو بتقصي الأسباب والعلل في حوادث الإسلام، ليستجلي حقائق كثيرة بأسلوب متماسك جذاب. كما تحدّث عن بطولة "الإمام علي" في حروب المسلمين وقريش، حديثا تملؤه عاطفة الإعجاب. يقول البارون "كارا ديفو" في كتابه "مفكرو الإسلام":
"حارب عليّ بطلا مغوارا الى جانب النبي محمد (ص)، وقام بمآثر ومعجزات، ففي موقعة بدر كان عليّ، وهو في العشرين من عمره يشطر الفارس القرشي شطرين إثنين بضربة واحدة من سيفه، وفي موقعة أحد تسلّح بسيف النبي ذي الفقار، فكان يشق المغافر بضربات سيفه، ويخرق الدروع. وفي الهجوم على حصون خيبر، قلقل علي باباً ضخماً من حديد، ثم رفعه فوق رأسه متخذا منه ترساً. أما النبيّ محمد (ص)، فكان يحبّه ويثق به ثقة عظيمة، وقد قال ذات يوم وهو يشير الى عليّ: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه".
يضيف البارون كارا ديفو: "وعليّ هو ذلك البطل الموجع المتألّم، والفارس الصوفيّ، والإمام الشهيد ذو الرّوح العميقة القرار، التي يكمن في مطاويها سرّ العذاب الإلهي".
ويقول كارا ديفو: "ليس في سير العظماء بعد النبي محمد (ص) واحدة كسيرة الإمام علي تحرّك المشاعر، وتوقظ الأحاسيس الحيّة، في كيان من يتعرّض لها بدرس أو بحث".
 
- قال إدوارد جيبون، المؤرخ البريطاني[7] (1737-1794):
 
يقول جيبون عن الإمام عليّ (عليه السلام): "الإمام علي شخصية فريدة متألقة، شاعر ومؤمن ونبيل وقديس، حكمته كالنسيم الذي يتنفسه كل إنسان، فهي أخلاقيّة وإنسانيّة، منذ مولده وإلى وفاته، كان حكيماً جمع تلاميذه وناداهم بإخوتي وأحبائي، حقا كان هارون المتجدد صدّيق النبي موسى، كما وصفه النبي محمد".

- الطبيب والمفكر البريطاني هنري ستوب[8] (1632-1676): 

كان نهج هنري ستوب في الكتابة مخالفاً لعصر النهضة والمستشرقين الذين انتهجوا سياسة العداء للإسلام، وزيّفوا الكثير من الحقائق، ونقلوها إلى الغرب على غير واقعها. بقول ستوب عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "ازدرى الإمام عليّ العالم المادي ومجده الخادع، خشي الله، وكان محسناً جواداً إلى الخير، الأول والسابق إلى كل فعل إلهِي، وحكمه كان اجتماعياً، ويملك إبداعاً وذكاءً حاداً، ولذا بدا غريبا على مجتمعه، لان الإبداع لم يكن شائعاً، لم يمتلك تلك العلوم التي تنتهي على اللسان، ولكن تلك العلوم، والحكمة الخفية التي تمتد ولا تنتهي، أو تموت".
 
 

- واشنطن إيرفنغ[9] (1783-1859):

"
كان الإمام علي من أنبل عائله من قبيلة قريش، لديه ثلاث صفات يعتز بها العرب، الشجاعة والبلاغة، والسخاء، روحه الباسلة استحقّت لقباً خالداً من النبيّ محمد (ص) أسد الله، نماذج بلاغته لا زالت مؤثرة على كلّ لسان عربيّ، وعلى كل تفسير قرآنيّ، وعلى كل مثل وقول ساد الأمة العربيّة إلى يومنا هذا، في كل جمعة كان يلقنهم حكمته، وما انزل على النبي محمد (ص)، ليذكرهم بما وعاه صدره، وفيه خزائن العلوم الإلهية، وهذا دليل على سخائه وتواضعه وحبّه، دون شرط مسبق".

- جيرالد دي غاوري[10] (1897-1984):
 
احتكّ دي غاروي بالعرب بحكم عمله كضابط اتّصال بريطاني، وكوّن علاقات وطيدة مع الأسرة الهاشميّة إبّان الثورة العربيّة الكبرى، الأمر الذي أتاح له مجالاً واسعاً لدراسة الطبيعة الخاصّة للفكر العربي، فكتب كتاباً استشراقيّاً مميّزاً بعنوان حكّام مكّة، جاء فيه وصف فريد للإمام عليّ (عليه السلام):"كان الإمام علي عميد الأسرة الهاشمية، ابن عم وصهر من احترمه كل العرب، العجيب أنّه لم يطلب الخلافة فور موت النبي محمد كما فعل بعضهم، إلا مزايا ميلاده وزواجه وإخوته بالنبي محمد (ص)، أول من أسلم وقال له النبي محمد (ص) إنك للأمة كهارون إلى موسى، حكم بالحكمة والنبل أمة الإسلام وكانت فصاحته لغة حكمته".


- المستشرق الأسكتلندي سير ويليام موير[11] (1819-1905):


كتب السير ويليام عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "بذكائه المتألق، وعطفه، وتأثيره الساحر في حياة من خالطه وجالسه، وكونه موضع ثقة صحبه ومجتمعه، مذ كان فتى صغير السن وهو يبذل ويجود بروحه وحبه للدفاع عن النبي محمد ورسالته السمحاء، متواضع وبسيط، يوما حكم نصف العالم الإسلامي بالخير لا بالسوط



[1]  روجيه غارودي، (1913 - 2012)، فيلسوف وكاتب فرنسي اعتنق الإسلام سنة 1982.
[2] كاتب إسكتلندي وناقد ساخر ومؤرخ. وكان لأعماله تأثير كبير بالعصر الفكتوري، وهو من عائلة كالفينية صارمة أملت أن يصبح واعظاً إلا أنه فقد إيمانه بالمسيحية أثناء دراسته بجامعة إدنبرة ومع ذلك بقيت القيم الكالفينية تلازمه طوال حياته.
[3] هنري كوربان ‏ فيلسوف ومستشرق فرنسي صبّ اهتمامه على دراسة الإسلام وبشكل، فترجم أمهات الكتب في هذا المجال من السهروردي إلى صدر الدين الشيرازي مرورًا بابن عربي وحقّقها وعلّق عليها
[4] مستشرق ألماني.
[5] مستشرق فرنسي معاصر.
[6] مستشرق فرنسي، درس الإسلام والعقيدة الإسلاميّة، وألّف مؤلفات عدّة من أهمّا كتاب ابن سينا، نقله إلى العربيّة زعيتر الغزالي.
[7] مؤرخ وفيلسوف إنجليزي، صاحب كتاب الذي يعد من أهم وأعظم المراجع في موضوعه تاريخ سقوط الدولة الرومانيّة. كتب كتابه في ستة أجزاء من عام 1776-1788.
[8] مستشرق إنكليزي، طبيب وفيزيائي وباحث ومفكر، كان أوّل من أظهر كتاباً وديّاً عن النبي محمد (ص) في عصر النهضة،
[9] مؤلف وكاتب مقالات وكاتب سير ومؤرخ ودبلوماسي أمريكي برز في النصف الأول من القرن التاسع عشر. من أشهر قصصه القصيرة "ريب فان وينكل" و"أسطورة سليبي هولو"، اللتين نُشرتا في كتابه "دفاتر جيفري كرايون". من مؤلفاته التاريخية سير جورج واشنطن وأوليفر غولدسميث والنبي محمد.
[10] حامل وسام الصليب العسكري، كان ضابط عسكري، ومستعرب، مستكشف، مؤرخ ودبلوماسي بريطاني.
[11] ويليام موير ‏ مستشرق أسكتلندي وليد في غلاسكو، قام بعمل دراسات حول حياة النبي محمد والخلافة الإسلامية المبكرة. وتولى إدارة جامعة إدنبرة.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى