وصف المتقين في كلام الامام علي (ع)

2021.08.27 - 07:48
Facebook Share
طباعة

 روي ان صاحباً لامير المؤمنين اسمه همام كان رجلاً عابداً فقال:- ياامير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني انظر اليهم 

فتثاقل عليه السلام عن جوابه ثم قال:- 
ياهمام اتق الله واحسن فإن الله مع الذين اتقوا وهم محسنون فلم يقتنع همام بهذا القول حتى عزم عليه فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه واله ثم قال:-
[[ اما بعد...فإن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق حين خلقهم غنياً عن طاعتهم آمناً من معصيتهم لانه لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من اطاعه فقسم بينهم معيشتهم ووضعهم من الدنيا مواضعهم
فالمتقون فيها هم اهل الفضائل منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيتهم التواضع غضوا ابصارهم عما حرم الله عليهم ووقفوا اسماعهم على العلم النافع لهم نزلت انفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء ولولا الاجل الذي كتب لهم لم تستقر ارواحهم في اجسادهم طرفة عين شوقاً الى الثواب وخوفاً من العقاب عظم الخالق في انفسهم فصغر ما دونه في اعينهم فهم والجنة كم قد رآها فهم فيها منعمون وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة واجسادهم نحيفة وحاجاتهم خفيفة وانفسهم عفيفة صبروا اياما قصيرة أعقبتهم راحة طويلة تجارة مربحة يسرها لها ربهم ارادتهم الدنيا فلم يريدوها واسرتهم ففدوا انفسهم منها 
اما الليل فصافون اقدامهم تالين لأجزاء القران يرتلونه ترتيلا يحزنون به انفسهم ويستثيرون به دواء دائهم فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا اليها طمعاً وتطلعت نفوسهم اليها شوقاً وظنوا انها نصب اعينهم واذا مروا بآية فيها تخويف اصغوا اليها مسامع قلوبهم وظنوا ان زفير جهنم وشهيقها في اصول اذانهم فهم حانون على اوساطهم مفترشون لجباههم واكفهم وركبهم واطراف اقدامهم يطلبون الى الله تعالى فكاك رقابهم.
واما النهار فحلماء علماء ابرار اتقياء قد براهم الخوف بري القداح ينظر اليهم الناظر يحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض ويقول قد خولطوا ولقد خالطهم امر عظيم لا يرضون من اعمالهم القليل ولا يستكثرون الكثير فهم لانفسهم متهمون ومن اعمالهم مشفقون اذا زكي احدهم خاف مما يقال له فيقول:- [ انا اعلم بنفسي من غيري وربي اعلم بي من نفسي اللهم لا تواخذني بما يقولون واجعلني افضل مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ] 
فمن علامة احدهم انك ترى له قوة في دين وحزما في لين وايماناً في يقين وحرصاً في علم وعلماً في حلم وقصداً في غنى وخشوعاً في عبادة وتجملاً في فاقة وصبراً في شدةٍ وطلباً في حلالٍ ونشاطاً في هدى وتحرجاً في طمع يعمل الاعمال الصالحة وهو على وجل لما حذر من الغفلة وفرحاً بما اصاب من الفضل والرحمة لم يعطها سؤلها فيما تحب قرة عينه فيما لا يزول وزهادته فيما لا يبقى يمزج الحلم بالعلم والقول بالعمل.
تراه قريباً في امله قليلاً زلَلُه خاشعاً قلبه قانعاً نفسه منزوراً اكله سهلا امره حريزاً دينه ميتةً شهوته مكظوماً غيظه الخير فيه مأمولٌ والشر فيه مأمون ان كان في الغافلين كتب في الذاكرين وان كان في الذاكرين لم يكتب في الغافلين يعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه بعيداً فحشه ليناً قوله غائباً منكره حاضراً معروفه مقبلاً خيره مدبراً شره في الزلال وقور وفي المكاره صبور وفي الرخاء شكور لا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحب يعترف بالحق قبل ان يشهد عليه لا يضيع من استحفظ ولا ينسى ما ذكر ولا ينابز بالالقاب ولا يضار الجار ولا يشمت بالمصائب ولا يدخل في الباطل ولا يخرج في الحق ان صمت لم يغمه صمته وان ضحك لم يعلُ صوته وان بغي عليه صبرحتى يكون الله هو الذي ينتقم له نفسه منه في عناء والناس منه في راحةٍ اتعب نفسه لاخرته واراح الناس من نفسه بعد عمن تباعد عنه زهداً ونزاهة ودنوه ممن دنا له منه لين ورحمة ليس تباعده كبر وعظمة ولا دنوه بمكرٍ وخديعةٍ ]]
قال:- فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها فقال امير المؤمنين(عليه السلام) اما والله لقد كنت اخافها عليه هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها
 
#المصدر:-
نهج البلاغة / ص ٣٢٩
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى