مدرسة الامام علي (ع) في الاخلاق

2021.08.11 - 09:12
Facebook Share
طباعة

 الإمام علي عليه السلام باعتباره ترجماناً صادقاً لإرادة الله تعالى فـي ميزات خليفته على الأرض، ضمن منهج رباني محمدي رصين متكامل

يجسد نظرية الإسلام فـي الأخلاق، لكن خصوصية الإمام علي عليه السلام هي التي تحدد المنهج والمذهب الصادق فـي الترجمة الإسلامية المفضي إلى رضا الله تعالى.
ولذا فإن الحديث فـي أخلاق علي عليه السلام له خصوصية جوهر الإسلام، ولُبيَّة الوحي ومعاني النبوة وذاتيتها، فعلي عليه السلام له من النبوة مكانة لا يدانيه فـيها أحد.
فأخلاق علي عليه السلام هي خياراته فـي الفعل، الفعل الذي تدعمه الإرادة المستندة إلى دين الفطرة وعقيدة السماء التي رضعها فـي حجر الوحي وبيت النبوة. والنبوة هي الرحمة التي تفـيض مبسوطة على العالمين، وان أي خيار للفعل الإنساني خالياً من الرحمة، إنما هو خالٍ من الحسن، بل هو سيئة؛ ولذا فأنَّ خيار الفعل عند الإمام دوماً هو خيار الرحمة بمعناها الكوني. تجمع كل معاني الخير، فلا يدركها إلا من أخلص عمله لله تعالى كما يصف الله تعالى الخضرعليه السلام بذلك: )فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً]).
ولذا نجده عليه السلام شديداً فـي محاسبة نفسه، حريصاً على ترويضها: (وَ إِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوِّضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الأَكْبَرِ)، أو كما يقول عليه السلام فـي كتابه إلى عثمان بن حنيف الأنصاري: (لأَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مَطْعُوماً، وَتَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً وَلأَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا أَ تَمْتَلِئُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ؟ وَتَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ؟ وَيَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ؟ قَرَّتْ إذن عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ وَالسَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ) فالأخلاق رياضة النفس لتزكو ، مغموسة بتقوى الله ومراعاة حقوق المحرومين والمظلومين. فهي غاية الرحمة وكمالها.
لذا بلغ الإمام عليه السلام فـي ذلك الغاية القصوى، حتى نسب من غزارة حُسْنِ خُلُقِه إلى الدعابة، وكان مع هذه الغاية فـي حُسْنِ الخُلُق، ولِين الجانب، يخص ذلك بذوي الدين واللين. وأما من لم يكن كذلك، فكان يوليه غلظة وفظاظة
فإن بدا الإمام عليه السلام حاداً وشديداً فـي حساب نفسه وأتباعه، فأنه إنما ينطلق من تلبُّسه الرحمة وسعيه إلى تحقيقها؛ اتقاءً من غضب الرحمن.
ومثلما هو عليه السلام شديد وحادٌ فـي تحقيق فعل الرحمة فـي شيوع الفضائل، فأنه دقيق فـي تشخيص ما يصدر من الآخرين، فـيما ينفع ويضر، وما يذهب جفاء وما ينفع الناس؛ لذا فهو دليل لأصحابه وأتباعه، ونجده دوماً فـي موضع إرشاد وتقويم لهم.
وإذا كان يقرن برسول الله (ص)، ويصفه رسول الله فـي أكثر من موضع بأنه كنفسه. وكذا القرآن يصفه كنفس الرسول كما فـي آية المباهلة، فإنما ذلك يشير إلى أن الرحمة التي تلبست الإمام، وصارت سنّة سلوكه وعلّة خلقه، إنما هي امتداد لرحمةِ النفس النبوية التي وصفها الرحمن بقوله لرسول الله (ص):  وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ]).
أن المبدأ الخلقي لخيار فعل الإمام عليه السلام؛ هو الرحمة؛ بقصد القربى إلى الله تعالى.
والواقع أنَّ الفضائل لا فـي ألفاظها ولا فـي معانيها فضائل، إنما هي بالسرائر التي خلفها.
فالكرم الفضيلة ليس هو الكرم المسبوق بطلب السمعة والشهرة، إنما الكرم الفضيلة هو المسبوق بنية رضا الله تعالى.
والكذب الرذيلة، هو ليس الكذب الذي ينوي به صاحبه إنقاذ مظلوم من يد مستكبر ظالم؛ رحمة بالمظلوم، إنما هو الذي يقصد طمس الواقع من ثوابت الصدق القائمة بنسب الحق الذي قام به الوجود.
ولذا فإن الله تعالى عندما يصف المنافقين بالكذب، وهم يشهدون شهادة الصدق بأن محمداً (ص) رسول الله، إنما لأنهم يقولون واقعاً؛ ليطمسوا حقاً. أو هي كما يعلمنا الإمام عليه السلام كلمة حق يراد بها باطل.
فالسيرة الفاضلة فـي خلق الإمام مبنية على السريرة الفاضلة، والسريرة الفاضلة معلولة إلى الرحمة الكونية التي انعقدت سريرة الإمام على مجامع معانيها، ومنها أقام عليه السلام منهجه.
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى