سيرة الامام عليه السلام الجزء الخامس: كيف رأى غير المسلمين ابا تراب؟؟

اعداد صافي المحمد

2020.09.23 - 08:26
Facebook Share
طباعة

مع أن الإمام هو من أهم رموز الإسلام، بعد النبي محمد صلوات الله عليه، إلا أن من عشقوه وانجذبوا إلى فكره، واهتموا بسيرته وبنموذجه، يضمهم مجال واسع من الألوان الثقافية والفكرية والقومية.
 
فكيف رآه هؤلاء؟
 
يقول ميخائيل نعيمة:
هل كان علي عليه السلام من عظماء الدنيا ليحق للعظماء أن يتحدثوا عنه، أم ملكوتياً ليحق للملكوتيين أن يفهموا منزلته؟ لأي رصد يريد أن يعرفوه أهل العرفان غير رصد مرتبتهم العرفانية؟ وبأية مؤونة يريد الفلاسفة سوى ما لديهم من علوم محدودة؟ ما فهمه العظماء والعرفاء والفلاسفة بكل ما لديهم من فضائل وعلوم سامية، إنما فهموه من خلال وجودهم، ومرآة نفوسهم المحدودة، وعليٌّ غير ذلك.
 
اما جورج جرداق فقال:
«قد كان لعلي بن أبي طالب في تاريخ حقوق الإنسان شأن أي شأن، وآراؤه فيها تتصل اتصالًا كثيرًا بالإسلام يوم ذاك، وهي تدور على محورٍ من رفع الاستبداد، والقضاء على التفاوت الطبقي بين الناس، ومن عرف علي بن أبي طالب وموقفه من قضايا المجتمع، أدرك أنه السيف المسلّط على رقاب المستبدين الطغاة، وأنه الساعي في تركيز العدالة الاجتماعية بآرائه وأدبه وحكومته وسياسته، وبكل موقف له ممن يتجاوزون الحقوق العامة إلى امتهان الجماعة، والاستهتار بمصالحها، وتأسيس الأمجاد على الكواهل المتعبة.
 
الأديب جبران خليل جبران يقول في الامام:
" في عقيدتي أن ابن أبي طالب كان أول عربي لازم الروح الكلية، وجاورها، وسامرها، وهو أول عربي تناولت شفتاه صدى أغانيها على مسمع قوم لم يسمعوا بها من قبل، فتاهوا بين مناهج بلاغته، وظلمات ماضيهم، فمن أعجب به كان إعجاباً موثوقاً بالفطرة، ومن خاصمه كان من أبناء الجاهلية"
 
 كان الإمام بنظر المفكرين فرصة اخيرة للبشرية كي تتعلم منه، وتتربى على يديه خلاصة الاخلاق التي عنوانها العدل والمساواة بين كل البشر، إذ كان فكره جوهرَ الاديان التي جاء بها كل الانبياء، والتي تعلمها وتشربها علي بن ابي طالب عليه السلام من منابعها، فكان خير تلميذ لخير معلمين، فاستحق ان يلقب بـ "مربي الامم".
 
 لكن للأسف، الامم بدءاً من أمته في زمنه، لم تتبعه ولم تطيعه، ولم يكن المواطنون في دولته، بمستوى فكره وفلسفته وعدالته، فاستشهد الإمام قبل أن يبني المدينة الفاضلة في أنفس اعضاء المجتمع الإنساني، فبناء الانسان الصالح الفاضل عند الإمام عليه السلام، هو منبع العمران والحضارة، وركيزة الدول، وحصانة للعدل والمساواة، وهو حصانة للحاكم وللمحكوم، واساس المدينة الفاضلة الحقيقية، ودرعها من التحول الى امبراطورية للظلم والظلام.
 
الإمام الشيخ محمد عبده يقول عن الامام:
في حضرة الامام، كنت أجدني أشهد أن عقلاً نورانياً، لا يشبه خلقاً جسدياً، فصل عن المركب الإلهي، واتصل بالروح الإنساني، فخلعه عن غاشيات الطبيعة، وسما به إلى الملكوت الأعلى
 
الباحث والمفكر الإسلامي عبد الرحمن الشرقاوي قال:
"لم تعرف الإنسانية حاكماً ابتُلي بمثل ما ابتُليَ به من فتن، على الرغم من حرصه على إسعاد الآخرين، وحماية العدل، وإقامة الحق، ودفع الباطل".
 
الفيلسوف والمفكر شبلي الشميل يقول:
الإمام علي بن أبي طالب، عظيم، نسخة مفردة، لم ير لها الشرق صورة طبق الأصل، لا قديماً ولا حديثاً.
 
إدوارد جيبون، المؤرخ البريطاني قال عن الامام:
"الإمام علي شخصية فريدة متألقة، شاعر ومؤمن ونبيل وقديس، حكمته كالنسيم الذي يتنفسه كل إنسان، فهي أخلاقية وإنسانية، منذ مولده وإلى وفاته، كان حكيما جمع تلاميذه وناداهم بإخوتي وأحبائي، حقا كان هارون المتجدد صدّيق النبي موسى، كما وصفه النبي محمد (ص)".
 
هنري ستوب، وهو طبيب ومفكر بريطاني يقول:
"ازدرى الإمام علي العالم المادي ومجده الخادع، خشي الله وكان محسنا جوادا إلى الخير، الأول والسابق إلى كل فعل إلهِي، وحكمه كان اجتماعيا، ويملك إبداعا وذكاء حادا، ولذا بدا غريبا على مجتمعه، لان الإبداع لم يكن شائعا، لم يمتلك تلك العلوم التي تنتهي على اللسان، ولكن تلك العلوم والحكمة الخفية التي تمتد ولا تنتهي أو تموت".
 
 من جهته يعتبر الشيخ الراحل محمد متولي شعرواي ان الامام علي بن ابي طالب، لا يحتسب بالمقارنة مع باقي الصحابة، وإنما هو متفرد بذاته، وملتصق بصفاته، فهو مع النبي في مقام لا يقترب من علوه الصحابة اجمعين. من الواضح أنّ كلام الشيخ لا يستند على العواطف، إنما على إجماع المصادر خصوصا،"صاحبي الاصحاح حيث جاء فيهما:
 
"إن الوحيد الذي اعتبره النبي صلوات الله وسلامه عليه بمثابة هارون من موسى بالنسبة اليه من بين الصحابة، هو علي عليه السلام".
 
مما اتفق عليه المفكرون بحق الامام -عليه السلام- أنه كان مؤهلاً ليكون معلم البشرية، وباني حضارة انسانية بمقاييس طوباوية مثالية، لا بمقاييس القرن الهجري الأول، فإنّ هدفه لم يكن بناء امبراطورية تحكم البلدان، بل بناء امبراطورية للأخلاق في أنفس الناس قبل بناء الدول والحكومات والعواصم.
 
علي بن ابي طالب عليه السلام كان طوفاناً من الحب الالهي الذي لو تقبله الناس وبحثوا عنه لنالوا خلاصا من الشرور، ولتناسلت من ارحامهم وأصلابهم اجيال وشعوب تتحابب وتتعارف وتتعاون، وتعدل بين بعضها البعض، وتبني الدنيا وتعمرها بالخير، ولا تتنابذ بالأحقاد، ولا تتبادل الغزو والابادة.
 
الانسان الكامل في أبهى صورة خلقها الله تعالى، هو ما كانه علي بن ابي طالب عليه السلام، لكن من كانوا في زمنه لم يفهموه، ولم يفهموا ما كان يدعوا إليه.
 
فهل سنبدأ الان في تصحيح مسار التاريخ؟
 
في العام 1949 أُقرت اتفاقية جنيف التي تحفظ حقوق الجنود والجرحى الذين يقعون في الاسر، وتضمن تلك الاتفاقية معاملة انسانية للأسرى الذين يقعون في قبضة الاعداء.
 
لكن قبل ألف وأربعمائة سنة من اتفاقية جنيف، وقبل القوانين السويدية، والسويسرية التي تحدد طريقة تعامل السلطات مع السجناء المتهمين بجرائم قتل، أو المدانين بها، لقّن علي بن ابي طالب عليه السلام الحسن، أسمى المبادئ في كيفية معاملة أسير اغتال علياً، فقال وهو يشارف على الموت:
 
 "ارفق يا ولدي بأسيرك، وارحمه وأحسن إليه، وأشفق عليه، ألا ترى إلى عينيه قد طارتا في أمّ رأسه، وقلبه يرجف خوفاً ورعباً وفزعا، نحن اهل بيت لا نزداد على الذنب إلينا إلاّ كرماً وعفواً، والرحمة والشفقة من شيمتنا لا من شيمته، بحقي عليك فأطعمه يا بني مما تأكله، واسقه مما تشرب، ولا تقيد له قدماً، ولا تغل له يداً، فإن أنا متّ، فاقتص منه ضربة بضربة، ولا تمثل بالرجل. وإن عشت، فأنا أولى بالعفو عنه، وأنا أعلم بما أفعل به".
 
فأيّ عظيم هو هذا الانسان الكامل، وكيف مثلت الثورة الفرنسية في القرن التاسع عشر نقطة انطلاق للبشرية نحو العدل والمساواة، ولم تشكل مسيرته الانسانية نقطة انطلاق للبشرية نحو العدالة الشاملة والحضارة البشرية الكاملة؟
 
 وصدق شاعر قال في الامام عليه السلام هذه الابيات:
 
كلما بي عارض الخطب الم ..... وصماني من عنا الدهر الم
رحت اشكو لعلي علتي ........ وعلي ملجأ من كل هم
وانادي الحق في اعلامه .......وعلي علم الحق الاشم
فهو للظالم رعد قاصف ... وهو للمظلوم فينا معتصم
وهو للعدل حمى قد صانه ..... خلق فذ وسيف وقلم
من لأوطان بها العسف طغى ..... ولأرض فوقها الفقر جثم

 

غير نهج عادل في حكمه ...... يرفع الحيف إذا الحيف حكم
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى