سيرة الإمام عليّ عليه السلام (الجزء الثاني): سر عظمة الامام

اعداد صافي المحمد

2020.09.23 - 08:13
Facebook Share
طباعة

سر عظمة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
 
لكشف سر هذه العظمة، ينبغي دوماً التذكّر أن الإمام عليه السلام، هو قبل كلّ شيءٍ رجل إيمان، قديسٌ عاش كلّ حياته في طاعة الله تعالى، وفي خدمة خلقه.هو حاكم كان يمكنه القيام بحروبٍ خارجيّةٍ وغزواتٍ لتوسيع مملكته، لكنّه لم يفعل،وكان بإمكانه أن يمكر بخصومه السياسيين، على أنواعهم، فمنهم أقارب أرادوا الاستفادة من موقعه، فلما رفض حاربوه، ومنهم طامعون فاسدون خافوا على مصالحهم من قداسته ونزاهته، وعرفوا أن جرائمهم التي كانوا قد ارتكبوها قبل وصوله إلى الحكم ستتم معاقبتهم عليها، فانقلبوا عليه وحاربوه، ومنهم جهةٌ ثالثةٌ من المتعصّبين دينياً، الذين حاربوه أولا لأنه لا يريد مصالحة الفاسدين، ثم حاربوه ثانياً حين رضي بما طالبوا هم به، فرضخ لرأي الأكثرية، وقبل بالحلول التفاوضية، هم هؤلاء الذين مرقوا من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة! ما فقهوا كنه التشريع، ولا جوهره، بل انشغلوا بالقشور والطّقوس، وما قدروا الإمام -وليّهم الشّرعي ووليّ كلّ مؤمنٍ ومؤمنة- حقّ قدره، فانقلبوا عليه بعدما حاولوا التّعالي على مقامه الفكري والقيادي، وما أكثرهم في عصرنا هذا.
 
الإمام برأي المفكرين، هو نقيض ما دعا اليه "ميكيافيللي" في كتابه الأمير، فالغاية لا تبرر الوسيلة عند الإمام سلام الله عليه، بل إنّه تعامل مع الناس بالفضائل التي أرادهم أن يتبعوها، لذا شنّت البرجوازية العربية الحرب تلو الحرب عليه، حتى أنّ الملوك والأباطرة الذين حكموا امبراطوريات الأمويين والعباسيين من بعده، بقوا لقرون طوالٍ يشوّهون سمعته، ويحاربون نموذجه، ويقتلون كلّ من يمت له بنسب، أو هو صلة كرهاً له، ولأفكاره التي ترفض التفرقة العنصرية، وترفض فكرة النبلاء والعائلة الحاكمة.
 
كانت أولى الحروب ضد الإمام (ع) هي التي تلك تسمى حرب الجمل. إنّ من أهمّ من حرض عليها، واستغل أسباباً شتّى للقيام بها، ليس سوى صديق عمرٍ، وقريب نسبٍ ودمٍ للإمام، ابن عمته الزبير بن العوام،والسبب هو رفض الإمام عليه السلام، منح ابن عمته منصبا حاكم لإحدى الولايات، إذ اعتبر الزّبير أن وصول ابن خاله الى منصب الحاكم للدولة – الإمبراطورية، هي فرصةٌ تاريخيّة له لتعيينه حاكماً على إحدى ولايات الدّولة، التي كانت تضم إيران وباكستان، ودول اسيا الوسطى حتى الحدود الروسية، وسورية وفلسطين ولبنان والأردن، وشبه الجزيرة العربية، وشمال إفريقيا ومصر والسودان، والعراق وجزءً من تركيا والهند، وصولا الى الحدود مع الصين، هي دولة حكمت ما كان يحكمه في الشرق البيزنطيون والفرس، فكيف لا يحلم ابن عمة الحاكم بمنصب كبير؟
 
لكنه عليّ بن أبي طالب، الذي وهو الحاكم لكل ما سبق ذكره من بلدان، لم يبنِ لنفسه بيتاَ، بل سكن في منزلٍ متواضعٍ ملحق بمسجد الكوفة في العراق، وهولا يزال قائماً الى اليوم.
 
وللإمام سيرة حياةٍ مليئةٍ بالجوانب المتعددة من عطائه غير المحدود في الفكر والفلسفة، وعلم الاجتماع والتربية والأخلاق، والبناء المجتمعي والمؤسساتي.
 
هل كان الإمام عليه السلام محارباً فيلسوفاً، ومصلحا غازياً، أم كان رجل فكر وإصلاح، اضطر لحمل السلاح للدفاع عن الوجود؟
 
إن في سيرة الإمام عليه السلام الجواب، إنّه كان كما النّبي محمد صلوات الله عليه، رجل دعوةٍ وإيمانٍ، وفكرٍ وفلسفةٍ، وصاحب رسالةٍ اصلاحيةٍ للبشريّة جمعاء، واجهه الشر فاضطرّ لردعه بالطّريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها ردع القتلة والسّاعين لإبادة المصلحين، ألا وهي الدفاع عن النفس والوجود بالقوة المسلحة المشروعة.
 
لكن أيّ المحاربين كان عليٌّ ابن أبي طالب عليه السلام؟
 
ضيف 1حاربت قريش -قبيلة النّبي- رسول الله، وحاصرته واضطهدته، فبقي ثلاثة عشر عاماً وهو يدعو أهل مكة الى الإسلام، فلم يزد عدد اتباعه فيها على المئة، جلّهم من العبيد والفقراء والضعفاء، فاضّطر إلى الهجرة، بعدما أعلنت قريش، القبيلة المهيمنة في مكة، الحرب على النّبي، وقررت التّخلص منه، ومن اتباعه بالاغتيال، وبالفعل، فقد جاء مقاتلون من تحالف قبائل عدّة لقتله، فيضيع دمه بين القبائل، فلا يستطيع بنو هاشمٍ الثأر له، ويقبلون بالدّية التي كانت قريش ستدفعها لهم حبّاً وكرامة، فتُنهي بذلك أسطورة هذا الثائر الذي نغّص عيشها.
 
في ليلة رحيل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يثرب، علم بنيّة المشركين، وأنّهم يتربّصون به، ويعدون العدة لقتله، فاتفق مع أصحابه على الخروج تحت جنح الظّلام برفقة شخص واحدٍ فقط إلى المدينة المنوّرة التي أعطت له، ولكل المستضعفين معه الأمان، فكان على أحد ما أن يبقى في منزل النّبي، ليُبقي أفئدة القتلة تظنّ بأنّه لا يزال في داره، وبالتأكيد، كان على من سيبقى لينام في سرير النّبي صلوات الله وسلامه عليه، أن يتيقن من أنّ عملية الاغتيال واقعة لا محالة، وأنّه -كفدائيّ يقدّم نفسه للحلول مكان الرّسول- إنّما يعرّض نفسه للقتل المحتّم.
 
تبرع الفدائي عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام للموت فداء لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه، فنام في سريره.
 
دخل القتلة منزل النّبي، ورفعوا الغطاء عن فراشه، وهموا به ليقتلوه، فظهر لهم وجه الفتى الشّجاع، الفدائي عليّ عليه السلام، فتراجعوا،
 
وكانت تلك أعظم بداية لبطلٍ شجاعٍ في الفكر، وفي العقل والقلب، عرف الحق، وعرف الله تعالى، فكانت بطولاته في المعارك بطولات إيمانيّة لا غرائزيّة، إذ لم يعتدِ قط، ولم يبدأ ابداً بحربٍ، ولم يدخل معركة إلا ودعا أعداءه للسلم والصلح.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى