قالوا في علي (ع) ج11

2020.08.12 - 04:22
Facebook Share
طباعة

 10. بولس سلامة:
شُغِفَ بولس بشخصيَّة أمير المؤمنين، حتى امتلأ كيانه ووجدانه وروحه وضميره بهذا الحب، وهام بهذا الكمال الإنساني والذروة من الخلق البشري، فإذا بقلمه يسكب هذا الوله شعراً يفصح فيه ما أفاضت عليه جوارحه، حتى ليحسب القارئ إنه يقرأ شعراً شيعياً لشاعر عاش في أجواء المجالس الشيعيَّة، وخالط علماءها وتغذى بفكرها، نعم، إنه مسيحي، وهو نظير المسلم في الخلق، كما قال أمير المؤمنين: (الإنسان إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، ونظرته وهدفه يتوحّد نحو القيم المثلى والأهداف العليا. إنها غايات الإنسان مثلما هي غايات الفئة والجماعة، ويؤكد الشاعر ذلك في مقدمة ملحمته "عيد الغدير" فيقول:
(وربّ معترض قال: ما بال هذا المسيحي يتصدّى لملحمة إسلامية بحتة؟ أجل إنني مسيحي.. ولكن التاريخ مشاع للعالمين. أجل إنني مسيحي ينظر من أفق رحب لا من كوة ضيّقة، مسيحي يرى "الخلق كلهم عيال الله" ويرى أن: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، مسيحي ينحني أمام عظمة رجل يهتف باسمه مئات الملايين من الناس في مشارق الأرض ومغاربها خمساً كل يوم، رجل ليس في مواليد حواء أعظم منه شأناً وأبعد أثراً وأخلد ذكراً، رجل أطلّ من غياهب الجاهلية فأطلت معه دنيا أظلها بلواء مجيد كتب عليه بأحرف من نور: "لا إله إلا الله، الله أكبر").
فضلاً عن التاريخ فقد تصدّى الشاعر سلامة في ملحمته لبعض القضايا الفكريَّة أيضاً، في صدد حديثه عن الملحمة "عيد الغدير"، إذ يقول: (قد يقول قائل، ولم آثرت علياً دون سواه بهذه الملحمة؟ ولا أجيب على هذا السؤال إلاّ بكلمات، فالملحمة كلها جواب عليه وسترى في سياقها بعض عظمة الرجل الذي يذكره المسلمون فيقولون: (رضي الله عنه, وكرم وجهه, وعليه السلام) ويذكره النصارى في مجالسهم، فيتمثلون بحكمته ويخشعون لتقواه، ويتمثل به الزهاد في الصوامع فيزدادون زهداً، وقنوتاً وينظر إليه المفكر فيستضيء بهذا القطب الوضّاء، ويتطلع إليه الكاتب الألمعي فيأتمّ ببيانه، ويعتمده الفقيه والعالم المدره فيسترشد بأحكامه).
ويقول في كتابه "مآثر الإمام علي والأمام الحُسين": (حقاً إن البيان ليسفّ وإن شعري لحصاة في ساحلك يا أمير الكلام, ولكنها حصاة مخضوبة بدم الحسين الغالي, فتقبل هذه الملحمة وانظر من رفارف الخلد إلى عاجز شرّف قلمه بذكرك).


11. سليمان كتاني:
الكتاني وهو صاحب كتاب «الإمام عليّ نِبراس ومِتراس» يقول في علي عليه السلام، هو عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب، ابن عمّ الرسول محمّدِ بن عبد الله بن عبد المطّلب الهاشمي، رُبِّي عليّ وترعرع في كنف ابن عمّه، في هذا الوقت كان محمّد يتقبّل الوحي عن فم جبرئيل في غار حراء، وكان عليّ أوّل من يشهد ولادة الرسالة الجديدة، وفي سنٍّ مبكِّرة بين التاسعة والعاشرة أصبح مقتنعاً بصحة الدين الجديد.
ونشر عن الكتاني في مجلة العرفان مج 21 – ج2 – ص145، قوله: "هو أوّل المؤمنين، وأقوى المدافعين، وأشجع المناضلين، وأصمد المقتحمين، وأبلغ المحقّقين، وقد لمح النبيّ عن ذلك بمثل قوله: «اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه»، «عليّ منّي وأنا من عليّ»، «من أحبّ عليّاً فقد أحبّني، ومن أحبّني فقد أحبّ الله»، «عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ»، «حقّ عليٍّ على المسلمين حقّ الوالد على الولد»، "أنت أخي في الدنيا والآخرة".
ونشر الكتاني في كتابه "محمد شاطئ وسحاب": من ذلك المعدن الطيب كفكفت شخصيّة الإمام مستكملةً كلّ مقوّماتها، شخصية برز العقل فيها السيّد المطلق، فإذا هي منه كما هي الديمة من الغمام تستمطره فينهمر بها انسجاماً بانسجام، وهكذا بسط لواءَه كما أسلست له قيادها فامتصّته وامتصّها قوّةً بقوّة، ولوناً بلون، حتى لكأنّ الهيكل المتين كسبيكة الفولاذ ما استجمعت أوصاله إلاّ ليكون قاعدةً جبّارةً لقائد جبّار، فإذا السيف في كفِّه وامض بكر له حدّان متساندان، حدّ على الترس، وحدّ على القرطاس في حُلّة أبداً بيضاء ذات وجهين: وجه على الجهاد، ووجه على السداد.
وقال في "نبراس ومتراس": العفّة والصدق ريشتان ناعمتان كان لهما من القوّة لديه ما كان لهما منها في زنديه الترس والفرند، والزهد والجود جناحان رهيفان أفاء عليهما من ظلّه فإذا هما بعين المدى يتباعدان، ثم لديه يلتقيان، فإذا الزهد في الدنيا جود بها، وإذا الجود بالزهد اكتماله، والتقوى والإيمان شعوران صميميّان ومنبعان صافيان غارا في جنانه، واندفقا على لسانه، فإذا هما به على نصب الكعبة حسام، ومن ورعه قبلة للإسلام، والحقّ والعدالة صفتان متلازمتان، وقلادتان فريدتان، وحجّتان لامعتان وَشَمَ بها وجدانه، وحلّى بهما بيانه، وسنّ عليهما سنانه، فإذا القيم بين الحقّ والعدل تتلمّس في معتقده تراثها، والحبّ والإخلاص حبلان وثيقان، ودفقتان سخيّتان ترابط بهما فؤاده ولسانه، فإذا الأرض بجماعاتها تنشد الدفء لتمرع.
وأضاف في شخصية الإمام: مهما يصفه الساردون بأقلام تشطّ في معابيرها، أو تتنزّى بها الأهواء فإنّ بطولته التي تتغلّب في سرَدِهم على بطولةً أصحاب الأساطير تبقى بطولةً أضعفَ بكثير من حقيقته; لأنّها من النوع الذي تخيب في وصفه حروف الساردين... من هنا أنّ كلَّ قول في عليّ بن أبي طالب يحصره في مكان أو زمان يبقى حديثاً له قيمة السَرد، ويبقى حروفاً مقفّلةً لا تنفذ إليها ألوان المعاني.
وما أكثر الأقلام التي تناولته بهذا النوع من السَرد الكليل، فحصرته ضمن الحروف ولم تتمكّن من أن تطوف به في غير جوّ مكّة والمدينة، كأنّ مجاله البعيد لا يمكن أن يتعدّى دائرةً تصطفّ عليها بدر واُحد، أو خيبر وصفّين، وكأنّ قوّته لا اعتبار لها إلاّ أن تكون من النوع الذي يأتي به مارِدُ القماقم... .
والحقيقة أنّ بطولته هي التي كانت من النوع الفريد، وهي التي تقدر أن تقتلع ليس فقط بوّابة حصن خيبر، بل حصون الجهل برمّتها، إذ تتعاجف لياليها على عقل الإنسان.
وبالحقيقة فإنّ ابن أبي طالب ذلك العقل النيّر المولّد لم يستبعد باحتكاكه الدائم بابن عمّه الرسول أن يكون المساعد الأوّل، والمستشار الأجلّ في كلِّ ما كان من شأنه أن يصون الرسالة الجديدة، ويمهّد لها سبل نجاحها.
إنّ في الوقت الذي يجب أن تظهر فيه، أم في الكيفيّة التي يلزم أن تؤدّى بها، وكان بالوقت نفسه ذلك المناضل الجسور، والبطل المقدام في دفاعه عنها ـ أي الرسالة ـ دفاع المؤمن الراسخ بصحتها وصدق مفعولها.
وأضاف: إنّ هذه الشخصيّة المنشودة قدَّمت لها الرسالة الجديدة كلَّ ملابسها، وها هو ابن أبي طالب يفصّل منها كلّ ثيابه ويتقدّم بها زيّاً وطرازاً ليعرضها على بني قومه ليكون لديهم في قدوة العارض، لَبِسها في تفهّمه للدنيا وفي تفهّمه للآخرة. فكان زهده بالأولى طريقاً إلى الثانية.
وقال في إيثاره: لم تكن لتغريه الرئاسة، فإنّه لم يطلب يوماً مجد الدنيا وكنوزها، وكثيراً ما توفّرت له فرفضها، ولكنّه كان يتشدّد في طلب الخلافة; لأنّه كان يؤمن تمام الإيمان بنفسه ولم يكن شديد الإيمان بغيره، وإنّ الرسالة التي قدّمها النبيّ لم يكن هو أخفّ منه شأناً فيها، فإنّه والنبيّ أبواها، هكذا قال الرسول: «أنا وأنت يا عليّ أبَوا هذه الاُمّة»، فالرسالة له وهي جزء منه، من عقله، من قلبه، من كلِّ كيانه، فمن هو الذي يكون أحقَّ منه بالدفاع عن نفسه؟ إذن ليس حبّ الظهور هو الذي دفعه من قبل إلى المطالبة بهذا الحقّ.
وقال عنه "ع": لم يلبس الدنيا إلاّ بقميص من الكرابيس، وبمدرعة مرقوعة، ولم يأكلها إلاّ في حبّات من الشعير تطحنها كفّه لقمةً يابسةً لفمه، ولم يسكنها في قصورها، بل في أحقر خصٍّ من خصاصها، ولم يمتطِها إلاّ كما يمتطي الفارس الجواد إلى ساحة الجهاد، حقيرة لديه غايةً، عزيزة عليه وسيلةً «الدنيا دار منّي لها الفناء، ولأهلها منها الجلاء، وهي حلوة نظرة، وقد عجلت للطالب، والتبست بقلب الناظر، فارتحلوا منها بأحسن ما يحضركم من الزاد، ولا تسألوا فيها فوق الكفاف، ولا تطلبوا منها أكثر من البلاغ.
وقال فيه: إنَّه أعظم رجل عرفه تاريخ العرب بعد النبيّ، أكبر رجل كان بإمكانه صيانة الاُمّة وإرسائها على أصول من المناقب والفضائل; تتجمّل بها لو فعلت وحين تفعل إلى أبد الدهر, وهو أعلم إنسان بما جاء في الآيِ الكريم، وهو القائل: «سَلُوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلاّ وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل».

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى