الإمام علي (عليه السلام) في الصحيحين

2020.07.10 - 06:22
Facebook Share
طباعة

يعدّ الصحيحان (كتابي البخاري ومسلم)، من أكثر الكتب موثوقيّةً عند أغلب المسلمين بعد كتاب الله، وقد جمع العالمان فيهما ما اطمأن إليه قلباهما من أحاديث رويت عن رسول الله (ص)، بعد أن جالا الأمصار الإسلاميّة طولاً وعرضاً بحثاً عن تلك الأحاديث، وطبّقا على المرويات أقسى أنواع الجرح والتعديل، وعلوم الرّجال، والتّصنيف الدّقيق. حتّى أصبح ذكر أيّ حادثة في هذين الكتابين كافٍ لوقوع الاطمئنان في قلب الباحث عن الحقيقة إلى صحّة الخبر، وقطعيّة نسبته إلى رسول الله (ص).
جمع الشيخان (البخاري ومسلم) من الأحاديث الصحيحة المرويّة في حق أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ما يستعصي على الحصر والجمع والتّصنيف، إذ يسهل على القارئ أن يجد اسمه يتجلّى في كل حادثةٍ مفصليّة جرت على عهد رسول الله، وفي تفسير آيات محكماتٍ تدلّ على فضله بالذات، إلى دوره الرئيسي في أغلب معارك وغزوات النبيّ (ص)، والنصوص المباشرة من النبيّ (ص) في فضله وقربه من رسول الله (ص)، ومكانته عند المسلمين، وواجب ودّه وموالاته.
قد يلتبس على ذوي النيّات السيئة، ممن يناصبون العداء لآل بيت رسول الله ممن ألحَقوا أنفسهم زوراً وبهتاناً بطوائف المسلمين (التي تقدّس وتجلّ بمجموعها أهل بيت رسول الله)، أنّ الأحاديث في فضل عليّ (عليه السلام) ملفّقة، موضوعة، وأنّ المسلمين لم يكونوا لينكروا فضل أمير المؤمنين لو أنّ كتب الصحاح ذكرت ذلك، لذلك فإننا -من باب الأمانة العلميّة- سوف نسوق لكم في هذه الفقرة -على سبيل المثال لا الحصر- مجموعة من أهمّ الأحاديث الواردة في الصحيحين والتي تشير مباشرة إلى فضل مولانا أمير المؤمنين، وتزكية رسول الله (ص) له، على رؤوس الأشهاد، وفي حضور الصحابة أجمعين، في أكثر من موضع، وهذا لم يكن سوى لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام):
1.     حديث في سبب نزول آية (هذان خصمان اختصموا في ربّهم)، ويقول فيه أمير المؤمنين برواية أبي ذر، وأيضاً قيس بن عبّاد "هذه الآية نزلت فينا"، أي فيه عليه السلام وفي حمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب يوم بدر[1].
2.     عن عدي بن ثابت، عن أبي ذر قال: قال عليّ: والذي فلق الحبة وبرء النسمة إنه لعهد النبي الأمي إليّ: أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق[2].
3.     روى البخاري عن ابن عباس: أن عمر بن الخطاب قال: (وأقضانا علي[3]).
من الواضح أنّ هذا الحديث ليس مجرّد مجاملة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام من قبل الخليفة عمر، فالخليفة (رض) يصرّح أمام مجتمع الصّحابة (الذين هم أهل الحلّ والعقد) أنّ أقضاهم هو علي، فأن ينال إنسان رتبة (أقضى الناس) فإن ذلك يستدعي، فضلا عن التقوى والورع، أنه كون قد بلغ أعلى المراحل العلمية وأسمى درجاتها، فالقضاء هو الاستناد إلى الفهم الصحيح والعلم، ولا يمكن أن يكون المرء أقضى من غيره إلا إذا علاه علماً ومنزلة.
4.     عن سهل بن سعد قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله) يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فبات الناس ليلتهم أيهم يعطى فغدوا كلهم يرجوه فقال: أين علي؟ فقيل: يشتكي عينيه فبصق في عينيه ودعى له فبرء، كأن لم يكن به وجع، فأعطاه. فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم[4]. وقد أخرج مسلم الحديث بهذا النص أيضا:عن أبي هريرة: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه، قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ قال: فتساورت لها رجاء أن أدعى لها قال: فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب فأعطاه إياها وقال: امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك، قال: فسار علي شيئا ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله[5].
5.     عن مصعب بن سعد عن أبيه: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج إلى تبوك واستخلف عليا. فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال (صلى الله عليه وآله): (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي[6][7].
هذا غيض من فيض ما ورد في الصحيحين عن فضل مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، إذاً فهذه الفرادة الخاصّة لعليّ قد أقرّها الشيخان (البخاري ومسلم)، وهذا يقطع الطريق على المتصيّدين في الماء العكر، الذين يريدون إبعاد محبّي أمير المؤمنين (عليه السلام) من المسلمين عن دائرة الالتزام بالسنّة النبويّة الشريفة، في حين أنّهم هم أنفسهم يعطّلون بذلك آية محكمة من آيات القرآن الكريم، والتي تقول عن لسان رسولنا الأكرم (ص): "قل لا أسألكم عليه من أجر إلا المودّة في القربى[8]"، ناهيك عن إهمالهم لما ذكرناه من فضل أمير المؤمنين مما حواه الصحيحان، وجهلهم البيّن في دينهم، وعداوتهم الواضحة لعليّ وآل البيت عليهم السلام.
خلاصة القول، لقد جمع الصحيحان آلاف الأحاديث في فضل عليّ، وتركوا للباحث كنزاً من الدلائل تعينه في الوقوف على كرامة وفضل أمير المؤمنين (عليه السلام)، حتّى قال الشيخ محمد متولي الشعراوي بعد ذكره إجماع المصادر، وبخاصّة صاحبي الصحيحين: "أن الامام عليّ بن أبي طالب لا يحتسب بالمقارنة مع باقي الصحابة، وإنّما هو متفرّد بذاته، وملتصق بصفاته برسول الله، فهو مع رسول الله في مقام لا يقترب من علوّه الصحابة اجمعين"، ووافقه في ذلك الشيخ "أحمد الكبيسي"، وقال الباحث الشيخ محمد الرّاوي أن الروايات الواردة في الصحيحين عن فضل علي هي أكثر من مثيلاتها بحق أبي بكر وعمر وعثمان (رض) مجتمعين، وقال الدكتور سعد بن عبد الله الحميد مدير شبكة الألوكة بنحو ذلك.
هذا وعلينا ألا ننسى أيضاً، أن بقيّة الكتب الستة التي تضاف للصحيحين، كسنن ابن ماجة، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وسنن أبي داوود، أوردت عدداً من الأحاديث في فضل عليّ قد لا تسعها مجلّدات بأكملها، وكذلك فقد أستند العديد من أصحاب السير عبر التاريخ على روايات الصحيحين وبقيّة الكتب الستّة في إسناد أخبارهم الواردة في فضل علي (ع)، ومن جملتهم ابن عبد البر، وابن حجر، وابن هشام، وابن عساكر، والطبري وابن حجر العسقلاني غيرهم.
 


[1] صحيح البخاري ج 5 باب قتل أبي جهل وأيضاً ج 6 تفسير سورة الحج.
[2] صحيح مسلم ج 1 كتاب الإيمان باب إن حب الأنصار وعليّ من الإيمان.
[3] صحيح البخاري ج 6 كتاب التفسير تفسير ما ننسخ من آية.
[4]صحيح البخاري ج 4 كتاب الجهاد باب ما قيل في لواء النبي، وباب فضل من أسلم على يديه رجل، وكتاب بدء الخلق باب لمناقب علي، وباب غزوة خيبر، وصحيح مسلم ج 7 كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي، وكتاب الجهاد والسير باب غزوة ذي قرد.
[5] صحيح مسلم ج 7 كتاب الفضائل باب فضائل علي بن أبي طالب.
[6] صحيح البخاري ج 4 كتاب بدء الخلق باب غزوة تبوك، وباب مناقب علي بن أبي طالب ن وصحيح مسلم ج 7 كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي بن أبي طالب.
[7] تشير الروايات أيضاً إلى أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يقل هذا القول مرّة واحدة، بل كرره أكثر من ست مرات في خضم حياته الكريمة، وليس مرة واحدة، ولم يختص الحديث بغزوة تبوك، مما يؤكّد منزلة الوزارة والشراكة لرسول الله. للاستزادة لطفاً مراجعة كتاب (المراجعات مع شيخ الأزهر محمود شلتوت) للعلامة الإمام شرف الدين الموسوي، المراجعة رقم 29.
[8] سورة الشورى، الآية 23.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى