الإمام عليّ (ع) وسرّ حاجتنا إليه في القرن الواحد والعشرين

2020.07.08 - 02:14
Facebook Share
طباعة

هناك سؤالٌ قد يتبادر إلى ذهن من لا يعرف الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، السؤال هو، لماذا قد نحتاج -في القرن الواحد والعشرين- لـفكر وفلسفة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟، ولماذا كلّ هذا الاهتمام بفكرٍ مضى عليه أكثر من أربعة عشر قرناً؟ وما الذي يستحق الدّراسة والبحث في سيرته، حتى نُطلق مركزاً للدراسات التي تبحث في فكره وتوثّقه؟ طبعاً من يعرف الإمام عليّ حقّ المعرفة لا يمكن أن يسأل مثل هذا السؤال إطلاقاً، وذلك لعلمه ويقينه أنّ أيّ علمٍ، دنيويّاً كان أم سماوياً، لا إمكانيّة للوصول إليه إلا عن طريق عليّ بن أبي طالب، والسبب بسيط جداً، وهو قطعي وغير قابل للنقاش عند أحدٍ من المسلمين، وحتّى عند الكثير من غير المسلمين، الذين سلّموا للإمام وحده بهذه الفضيلة دون غيره. السبب هو قول رسول الله (ص) فيه في الحديث المشهور: "أنا مدينة العلم، وعليّ بابها"، فمن المنطقيّ إذاً لكل طالب علم، أن يلج المدينة من بابها. أمّا أولئك الذين لا يعرفون شخص الإمام (عليه السلام)، وسيرة حياته وفلسفته وفكره وعظمته، فإننا نحيلهم إلى الروابط في نهاية هذا النص التعريفي.
من نافلة القول أيضاً، فإنّ من واجبنا أن نقدّم للقارئ الكريم سبب اختيارنا لشخصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام)، كي تكون سفيرنا إلى العقل البشري. فبالإضافة لما ذكرناه في المقدّمة، وبالإضافة أيضاً إلى التزامنا العلميّ والمنهجيّ، فإنّ تقديمنا للإمام عليه السّلام على من سواه من الشّخصيات العربيّة والإسلاميّة لم يأتِ من فراغ، بل إنّ عالميّة فكر أمير المؤمنين بات سمةً مميّزة ترافق سيرته التاريخيّة التي لا تشابهها سيرة في إنسانيّتها وسموّها المعرفيّ والقيميّ، ودليلنا على ذلك نلخّصه في منحيين، أولهما موضوعي مؤدّاه "لم الإمام عليّ بالذات؟"، وثانيهما زماني فحواه "لم الآن؟".
أولاً- في المنحى الموضوعي فإننا نشير إلى اجماع البشريّة على فرادة، وامتياز شخصيّة أمير المؤمنين في شتّى النّواحي الإنسانيّة، ونسوق بعض أدلّة هذا الإجماع فيما يلي:
·        علي بن أبي طالب شخصيّة أمميّة برأي أهمّ منظّمة عالميّة:
اتّخذ الأمين العالم للأمم المتحدة (كوفي عنان)، قراراً شهيراً باعتماد كلمة أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام في عهده لمالك الأشتر؛ وثيقة دولية، وأحد مصادر التّشريع الدولي، وأشار كوفي عنان إلى كلمة أمير المؤمنين الإمام علي (ع) التي افتُتن بها: (يا مالك الناس صنفان؛ إمّا أخ لك في الدَّين أو نظير لك في الخلق)، وأضاف: "هذه العبارة يجب أن تعلَّق على باب كلّ المنظمات، وهي عبارة يجب أن تُنشدها البشرية". واقترح (كوفي عنان)، أن تكون هناك مداولة قانونية حول كتاب الإمام عليّ عليه السلام إلى مالك الأشتر، فتمّ ذلك، وتداولته اللجنة القانونية في الأمم المتحدة، وتمّ اعتماد الكتاب كأحد مصادر التشريع الدولي. ورد ذلك ضمن تقرير رسمي للأمم المتحدة للعام 2002. جاء في التّقرير أنّ الإمام عليّ رائد العدالة الإنسانية والاجتماعية، إذ سمّاه التقرير بحكيم الشرق دون منازع، واعتمد رمزاً للعدالة الإنسانيّة بوصفه أعدل حاكم مرّ على تاريخ البشريّة. لم تأتِ هذه الحقائق عن عبث في أكبر محفلٍ دوليّ. صدر التقرير باللغة الإنجليزية من مائة وستين صفحة، أعدَّه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخاص بحقوق الإنسان وتحسين البيئة والمعيشة والتعليم، حيث تمَّ فيه اتخاذ الإمام عليّ عليه السلام من قِبَل المجتمع الدَّولي شخصيةً متميزة، ومثلاً أعلى في إشاعة العدالة، والرأي الآخر، واحترام حقوق الناس جميعاً مسلمين وغير مسلمين، وتطوير المعرفة والعلوم، وتأسيس الدولة على أسس التسامح والخير والتعددية، وعدم خنق الحريات العامة. وقد تضمَّن التقرير مقتطفات من وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام) الموجودة في نهج البلاغة، التي يوصي بها عمَّاله، وقادة جنده، حيث يذكر التقرير أنَّ هذه الوصايا الرائعة تُعدُّ مفخرة لنشر العدالة، وتطوير المعرفة، واحترام حقوق الإنسان.
·        تحتوي مكتبة الكونغرس الأمريكي، التي تعدّ من أهمّ المكتبات العالمية للتراث الإنساني، كتاباً نفيساً للكاتب الأمريكي ميشيل هاميلتون مورغن، يُدعى "Lost History"، الذي يتطرّق فيه إلى سيرة (العملاق) علي بن أبي طالب -كما أحبّ أن يسميّه- في كتابه، ويقرّع العرب الذين لديهم مثل هذا الإمام العالميّ الرّسالة ولا يقتدون به، ولا يتّبعون نهجه، ويشير الكتاب الموسوعي إلى أنّ أمير المؤمنين هو أحد الشخصيّات التي غيّرت وجه التاريخ قاطبة.
·        كلّنا يعرف أيضاً حادثة المفكر والفيلسوف العالمي روجيه غارودي حين سألته إحدى طالباته في جامعة السوربون العريقة سؤالاً محرجاً، عن عدم اتفاقه مع الإعلام على أنّ الإسلام دين يدعوا للقتل وسفك الدّماء، فأحالها إلى وصيّته عليه السّلام وهو على فراش الموت، وطلبه من ولده الحسن (عليه السلام) إظهار الرّفق بقاتله.
·        ونذكر أخيراً في هذا الصدد، وليس آخراً، قول المؤرّخ والفيلسوف البريطاني إدوارد جيبون: "الإمام علي شخصية فريدة متألقة، شاعر ومؤمن ونبيل وقديس، حكمته كالنسيم الذي يتنفّسه كل انسان، فهي اخلاقية وإنسانية، منذ مولده وإلى وفاته، كان حكيما جمع تلاميذه وناداهم بإخوتي واحبائي، حقا كان هارون المتجدد صدّيق النبي موسى، كما وصفه النبي محمد (ص)".
إذاً فاختيارنا لهذه الشخصيّة الخالدة لم يكن من منطلقٍ عقائدي ضيّق، بل من منهجيّتها الإنسانيّة الموجّهة للعالمين، لكل صاحب وجودٍ على هذه البسيطة.
أمّا الشقّ الثاني من التّساؤل، وهو البعد الزّماني، فيأخذنا لتساؤلٍ آخر هامٍ جداً، ألا وهو ما الذي يحدث الآن على السّاحة العالميّة؟
كلّنا يعرف أنّ الإنسانيّة تمرّ بأكثر مراحلها انحطاطاً، وأنّ النّازيّة الجديدة بوجهها القبيح أطلّت ثانيّةً برعاية غربيّة لتقوّض ما بنته الإنسانيّة في النّصف الثاني من القرن الماضي، فلو أغلفنا الغزو الممنهج للدّول المستقلّة تحت ذرائع كاذبة، وتفتيت الدّول بذريعة الديموقراطيّة، ونشر الأوبئة بين الأمم لإفقارها، وتكريس تبعيّتها، وتهديد الدّول الحرّة وضربها ببعضها في سوابق تنسف كلّ مبادئ القانون الدّولي العام الذي ساد منذ ثمانين عاماً. فما أحوجنا إذاً الآن لمعلمٍ أممي، هو تلميذٌ نجيبٌ لكل الأنبياء والرّسل، صاحب رسالة عابرة للأديان والنّظم الفكريّة والعقائديّة. معلّمٍ يبني الإنسان الذي يحقّ له أن يعمُر هذه الأرض بأخلاقه وحكمته وتسامحه، لا أن يشعلها ناراً تحرق كلّ شيء في سبيل أهدافه الدّنيئة. معلّمٍ يدلّنا على الله دون إكراه، بالحكمة والموعظة الحسنة -تماماً كما علّمه الرّسول- حين أرسله مبعوثاً خاصّاً إلى أهل اليمن، فراح إليهم بشخصه الكريم، دون سيف، وأدخلهم في بوتقة النّور المحمّدي، الذي هو ذاته النّور العيسوي، والنّور الموسويّ، لأنّهم كلّهم ينبثقون من مشكاةٍ واحدة، هي إرادة الخالق العظيم.
ولأن الناس يحتاجون لنموذجٍ يعلمهم ويرشدهم، ويدلهم على مكارم الأخلاق، وإلى بواطن الفكر الإنساني السليم، زادت الحاجة الى نموذج الامام عليّ (عليه السلام) والى فكر الامام عليّ، مع انتشار الشر وتحكّمه بمصير البشر، فهو وحده (عليه السلام) النّاطق الرّسمي باسم النّبي محمّد، وذلك بقول النّبي (ص) ذاته، إذ يقول: "لا يؤدّي عنّي إلا عليّ[1]"، ونحن في مؤسسة الإمام عليّ بن ابي طالب للدراسات والتوثيق، نذرنا انفسنا تطوعاً وحباً لأخوتنا من كافّة البلدان، والجنسيات والالوان والأديان، لكيّ نقدم لهم نصوصاً موثقة، واقوالاً محققة، ودراسات مثبتة، عن سيرة وفكر وفلسفة وتراث علي بن ابي طالب عليه السلام، فيها كلّ الفائدة والعلم، لأنّ هذا الإمام هو مرجعٌ إنسانيّ، وضرورة ملحّة لكل باحثٍ عن العلم والأخلاق، وعلى الله تعالى التّوكل، وعلى الله سبحانه الاعتماد.
 
مؤسسة الإمام عليّ بن ابي طالب للدراسات والتوثيق
أسرة التحرير                      
         
 
 


 [1]أخرجه الإمام أحمد (4/ 164، 165)، والترمذي (4/ 328)، وابن ماجة (119)، والنسائي في (خصائص عليّ) (34، 35، 37)، والطبراني في (الكبير) (3511، 3513) وابن أبي عاصم في (السنة) (132) .
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى